مهما كتب المؤرخون والساسة والإعلام عن قطاع غزة لانستطيع أن نفيها حقها من الكلمات، ليس هو ما تعرضت له غزة من صنوف العذابات والألم والنكبات التي يمكن لنا أن نسجلها، ونتحدث عنها.  لكنه الإنسان الغزي الصابر المرابط الذي تنحني لها القامات وترفع له القبعات. الآلام تزول منها الجبال وقصص تروى من الشدائد تحكي قصة لبلد منسي من الجغرافيا والتاريخ لم يأبه العالم إلى معاناته لا في الأسر ولا عند الحرب.

قطاع غزة فرض عليه حصارًا وإجراءات منذ الاحتلال واشتد الحصار بعد العام 2007 على الدوام منذ احتلال غزة تختلف عن أي مدن أخرى وتم التعامل معها باجراءات مختلفة في التنقل، والبيع والشراء، والعبادة والعلاج وكل شؤون الحياة. وفرض عليها حصار وطوق أمني، ومعابر عسكرية تحد من الشأن العام الفلسطيني. سجن كبير مفتوح بكل ما تحمله الكلمة من معنى لم يسعف الغزيين أحدًا ولم يرفع الحصار عنها  لا الأمم المتحدة ولا غيرها. الحديث بمعنى أن الفلسطينين في غزة "المواطنين" هم ضحايا هذا الحصار المقيت، يبغً عدد سكان غزة المليونين ونصف شخص يعيشون في مسحة 350 كم٢. وبسبب تحكم إسرائيل في الحياة العامة من اقتصاد وحركة تنقل عبر المعابر عدى معبر رفح الذي يستخدم للدخول والخروج من وإلى غزة للغزيين، أما ما يتعلق في الاقتصاد والاستيراد والتصدير فإن معبر كرم أبو سالم الذي تشرف عليه إسرائيل وتسيطر عليه هو من بتحكم بهذه العملية، التي بقيت من خلال هذه المعابر الحياة الاقتصادية ضعيفة. وقد قامت إسرائيل باغلاق المعبر الاقتصادي كرم أبو سالم مرات عديدة ردًا على المناوشات الحدودية، لتخنق غزة تمامًا وتحوله إلى سجن بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.

تعتبر البطالة في قطاع غزة قبل أن تشن إسرائيل حربها على القطاع هي الأعلى في العالم وتبلغ ما نسبته %45، ويعيش %60 منهم تحت خط الفقر، وبسبب تدهور الحالة الاقتصادية فإن ما يقرب من نصف مليون إنسان تركوا غزة والبعض منهم ركب البحر في موجة الهجرات غير الشرعية وابتلع البحر عددًا لا بأس به أثناء ركوب البحر في طريقهم إلى دول الشتات، أما بعد الحرب فقد فقد الناس مصادر رزقهم سواء العاملين منهم في السوق الإسرائيلي، أو بسبب ما ارتكبه الاحتلال من تدمير للمرافق الزراعية والصناعية والتعليمية وكل المرافق الخاصة في غزة.

منذ عام 2007 إلى ما قبل السابع من أكتوبر 2023 شنت إسرائيل عدة هجمات عسكرية عرفت بأسماء مختلفة منها الرصاص المصبوب، وجز العشب، إلخ. وقتلت الآلاف من الفلسطينين ودمرت مئات الشقق السكنية، والبنية التحتية إلى أن جاء السابع من أكتوبر حيث أعلنت الحرب الشاملة على غزة، واستطاعت أن تحول إلى غزة إلى أكبر مقبرة في التاريخ، ووصلت أعمال القتل والتدمير في العملية العسكرية إلى الإبادة الجماعية، والتهجير  والتجويع ومنع الأدوية واقتحام المستشفيات طالت كل انحاء القطاع، فقتل عشرات الآلاف من المواطنين وكذلك عشرات الآلاف من الجرحى وتسببت الاعاقات بالمئات، لقد شاركت إسرائيل في هذه المجزرة كل الذين زودوها بمختلف أنواع الأسلحة والعتاد من الدول الغربية، وبدون شك كانت سببًا لهذا الحجم من الدمار الهائل والقتل والإصابات المروعة.

اليوم وبسبب الجوع والعطش ونفاذ الأدوية بسبب إغلاق المعابر وعدم وصول المساعدات الإنسانية فإن غزة اليوم أصبحت مقبرة لمن مات جوعًا أو مرضًا إذا لم يمت بالحرب، هنا في غزة قبرت الإنسانية وقبرت المبادئ والقيم التي تشدق بها العالم الملوث.