بينما شكّل الموقف الفلسطيني الرافض بالمطلق لصفقة القرن رافعة عربية وإسلامية وعالمية لتأكيد هذا الرفض، الذي تم الإعلان عنه منذ اللحظات الأولى التي ثرثر بها دونالد ترامب حول الصفقة، فقد اتخذت القيادة الفلسطينية قرارًا شاملاً يرفض هذه الصفقة، وتمكنت من إسقاط تداعياتها آنذاك، سواء في اجتماع وارسو أو في ورشة البحرين، لأنه اتضح من وقتها أن هناك فيروسًا يحاول أن ينتشر دون أن يمتلك مقومات الحياة، وهو الخيانة، والطعنات في ظهر شعبنا الفلسطيني ركضا وراء الوهم ليس إلّا. 

هذا الفيروس الخطير، ظهر بأشكال مفاجئة من خلال سلوكيات غير مبررة قام بها بعض إخوتنا العرب، تمثلت في حضور اجتماعات لم يكن الحاضرون يعلمون ماذا يدور فيها، مثل حضور الاحتفال بالإعلان عن الصفقة الذي جرى في واشنطن، حيث مارس المضطرب عقليًّا وهو ترامب مع المضطرب أخلاقيًّا وهو نتنياهو الكثير من القبل وحركات المجاملة الأخرى، ولكنّ المفاجأة الأكبر جاءت من رجل اسمه عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، وعضو القيادة العامة للجيش السوداني، حين تجاوز الدستور، وخلط عن عمد ما بين مجلس السيادة والقيادة العامة للجيش، وتسلل سرًّا إلى عنتيبي في أوغنذا، ليلتقي سرًّا ودون إخبار أحد مع نتنياهو محاولاً في هذا الوقت أن يطعن بخنجره المسموم ظهر الشعب الفلسطيني، ويعتدي بقوة لا مبرر لها على واحدة مع مقدسات الشعب السوداني الشقيق التي تجذرت عبر السنوات، وهي اللاءات الثلاث التي اقرتها القمة العربية التي عقدت في السودان عام 1967.

والأدهى من ذلك أنَّ عبد الفتاح البرهان أعطى نفسه الحق في الثرثرة، والتنظير الفارغ، محاولاً تبرير نفسه وفعلته الشنعاء، وكلما غرق في التنظير والتبرير كان يغرق أكثر كمن يغرق في الوحل ويحاول إنقاذ نفسه فيغرق في الوحل أكثر، تجاوز الصلاحيات، وتجاوز الوثيقة الدستورية التي تحكم المرحلة الانتقالية، دون أن يتشاور مع أحد، سافر سرًّا، والتقى سرًّا، وإنني لأعجب كيف يمكن أن يخون الخائنون؟؟ لكنه الشعب السوداني العظيم المشنشل بالثوابت القومية كان كعادته عند حسن الظن، وهو من الثقة والكفاءة بحيث يستطيع أن يمحو هذه الفعلة الشنعاء، وأن يغلق الفجوة في السد المنبع. أتشوق للقمة العربية التي أعلنت الجزائر أنها ستستضيفها ولعل مقاومة هذا النوع من الفيروسات المستجدة يكون على رأس أولوياتها، فليس معقولاً أن يظل الأمر هكذا، حين تلتقي الأمة على أمر لضمان سلامتها الأمنية، أن يحدث هذا النوع من الاختراق المجاني من قبل متوهمين قاموا بخيانتهم بالمجان، هكذا لصالح العدو دون مبرر، حتى البرهان نفسه عندما قال إنَّ (إسرائيل) حين استهدفت مصانعنا، واعتدت على مقدراتنا.. لم يتحرك أحد.. طيب هل الاعتراض على خيانة حقيرة يتم عبر ارتكاب خيانة كبيرة؟؟؟ ما هذا؟؟

أتوقع أن يكون التصدي لفيروس الخيانة المجانية الذي يحاول أن ينتشر، هو القضية الأولى في قمة الجزائر القادمة قريبًا، ويا للجزائر، كم لها من إرث كبير في دفاعها عن فلسطين ظالمة أو مظلومة، كما قال الرئيس الجزائري هواري بومدين، ويا أيها الأخوة العرب، لكم من تاريخكم ومن إرثكم العظيم ما تقاومون به هذه الانحرافات القاسية، والخيانات الشريرة، أما انت يا عبد الفتاح البرهان، لو أنك تسكت فقط.. وتبتلع لسانك في حلقك، وتطلب الصفح من شعبك، فسوف نعرف لحظتها أنك عدت إلى اليقين، وقد يصبح الطريق مفتوحًا لمسامحتك.