فصول الحرب الأميركية الإسرائيلية المتواترة على وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين لم تنتهِ، ولن تتوقف عند هزيمة هنا، أو هزيمة هناك، وستتابع الدولتان الأكثر خطورة على البشرية جرائمها وإرهابها دون وازع أو ضمير أخلاقي أو قانوني أو سياسي على عنوان أساسي من عناوين القضية الوطنية الفلسطينية، وهو ملف اللاجئين الفلسطينيين، الذي نشأ بفعل نكبة العام 1948، وحرب التطهير العرقية، التي نفذتها العصابات الصهيونية الإرهابية ضد ابناء الشعب الفلسطيني الآمنين والعزل، بهدف طردهم وتشريدهم من مدنهم وقراهم وبساتينهم ومدارسهم ومصانعهم وإحلال الصهاينة الوافدين من دول العالم مكانهم في وطنهم الأم فلسطين. وقد تمكنت العصابات الصهيونية المدعومة من الغرب الرأسمالي عموما وبريطانيا الانتدابية خصوصا لتأمين قيام القاعدة المادية للمشروع الصهيوني الكولونيالي من طرد وتشريد 950 ألف مواطن فلسطيني إلى دول الشتات، ولم تكتف تلك العصابات، التي تحولت جيش دولة الموت الإسرائيلية في مايو/أيار 1948، بعد إقرار قرار التقسيم الدولي 181 في 29 تشرين الثاني/ نوفمبر 1947. 

 وتعاظمت الحرب على وكالة الغوث (الأونروا) مع صعود الرئيس دونالد ترامب لسدة الحكم في الولايات المتحدة في مطلع 2017، وكانت حكومة ائتلاف اليمين المتطرف في اسرائيل بالتعاون مع غلاة الصهاينة والمتصهينين من الحزب الجمهوري مهدوا الطريق للفصل الجديد من الحرب المكشوفة والمفضوحة المرامي والأهداف للإدارة الأفنجليكانية، التي اتخذت سلسلة من الإجراءات والانتهاكات الإرهابية بهدف تصفية الوكالة، وبالتالي تصفية الملف الأهم، ملف اللاجئين وعودتهم لوطنهم الأم بعد قضية الأرض عموما والقدس العاصمة خصوصا، وكان أبرزها وقف المساعدات الأميركية، والتي تعتبر اهم داعم للوكالة، حيث بلغت قيمة المساعدات ما يزيد عن الـ 300 مليون دولار اميركي سنويا. 

ومن أبرز اشكال وعناوين الحرب الدائرة ضد الوكالة من قبل الإدارة الأميركية، هي التالية: أولا الضغط على العديد من الدول لوقف مساعداتها للوكالة؛ ثانيا قامت بفتح ملفات ملفقة باسم الفساد ضد الشخصيات الأممية المؤيدة والمتمسكة بضرورة بقاء الوكالة، والداعمة لحقوق اللاجئين الفلسطينيين أمثال رئيس الوكالة السابق، كرينبول؛ ثالثا الحؤول دون التمديد للوكالة لثلاثة أعوام جديدة؛ رابعا مواصلة الحرب بأشكال ووسائل مختلفة ومنها: تقزيم وتقليص عدد اللاجئين، طرح مشاريع مشبوهة تحت عناوين إنسانية في المناطق الخمس الأساسية لتواجد اللاجئين، وايضا محاولات سحب البساط من تحت أقدام الوكالة وتحويل القضية للمفوضية الدولية للاجئين، وذلك لتصفيتها. وايضا سعت من خلال حروبها على دول وشعوب الأمة العربية ودول الأقليم الشرق أوسطي لتعميم وتوسيع قضية اللاجئين العالمية بهدف تبهيت قضية اللاجئين الفلسطينيين، وكمقدمة لتصفية الملف كليا.  

وتمكنت إدارة ترامب من تحقيق نجاح في هدفين، الأول والثاني. ولكنها في الهدف المركزي فشلت فشلا ذريعا، وباءت محاولاتها بالفشل. ففي اللجنة الرابعة للأمم المتحدة صوتت 170 دولة لصالح التمديد لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019. ويوم الجمعة الماضي الموافق 13 كانون الأول/ ديسمبر 2019 صوتت 169 دولة لصالح تمديد عمل الوكالة حتى حزيران/ يونيو 2023، وهو ما يعني انتصارا واضحا لمعركة العودة وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين المقدس لوطنهم الأم فلسطين، وصوتت أميركا وإسرائيل ضد القرار، وامتنعت تسع دول عن التصويت. بتعبير آخر كان التصويت بالغالبية الساحقة من الدول لصالح بقاء واستمرار عمل الوكالة لرعاية مصالح اللاجئين في الوطن الفلسطيني والشتات التربوية والصحية والسكنية والقضايا الخدماتية. 

ويصل عدد موظفي الوكالة إلى نحو 30 ألفا جلهم من الفلسطينيين في مناطق اللجوء والشتات: قطاع غزة، الضفة الفلسطينية، الأردن، سوريا ولبنان. كما وأكد القرار الأممي الجديد على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة زيادة الدعم للوكالة، أولا لتعويض العجز في الموازنة، وثانيا لتغطية الاحتياجات الجديدة للاجئين. لا سيما وان اعدادهم في تزايد مستمر. 

انتصرت الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ولوكالة الغوث (الأونروا)، التي أنشئت عام 1949 لرعاية حقوقهم لحين عودتهم وتعويضهم عما لحق بهم من خسائر وويلات خلال العقود الماضية، والتي تجاوزت الـ72 عاما. لكن هذا الانتصار ما زال محل تهديد من قبل إدارة ترامب ودولة الاستعمار الإسرائيلية، وبالتالي تفرض الضرورة العمل على وضع الخطط الفلسطينية والعربية والأممية لدرء أخطار القوى المعادية لحقوق ومصالح اللاجئين الفلسطينيين والمحافظة على مكانة الوكالة كراع للاستحقاقات الإنسانية والخدماتية لهم حتى يعودوا إلى وطنهم فلسطين.