بعد قرن وعامين جددت المنظومة الاستعمارية الكبرى حقن المشروع الصهيوني الاستيطاني الاحلالي العنصري بجرعة جديدة لتنمية خلايا مستخدميها (منظومة جريمة الحرب)  و(الجريمة ضد الانسانية) في تل أبيب، ومد الجرعة هذه المرة توأم ارثر جيمس بلفور وزير الخارجية في ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مايك بومبيو.
وعد بلفور كان الجريمة التاريخية الأولى، عندما منحت الأمبراطورية الاستعمارية بريطانيا العظمى ارض فلسطين للحركة الصهيونية لانشاء دولة ليهود العالم، أما الثانية التي اعتبرها  بنيامين نتنياهو تصحيحا للخطأ التاريخي فهي جريمة منح الاستيطان اليهودي الاسرائيلي  التاريخية الثانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة في حرب العام 1967 (شهادة شرعية ترامبية) رغم تصنيفها في القانون الدولي جريمة ترقى الى مستوى جريمة الحرب.
مرحلة ثانية من توسيع رقعة المشروع الصهيوني دشنها مايك بومبيو قبل انعطافته الأخيرة  نحو  (مجلس الشيوخ) الأميركي، وبذلك يقدم رشوة استباقية للوبي اليهودي الأميركي ولليهود الأميركيين ولكل المتعاطفين مع دولة الاحتلال اسرائيل لتسهيل فوزه بكرسي في المجلس.
بومبيو توأم بلفور الذي أظهر رغبة مطابقة لرغبة دونالد ترامب في (شقلبة العالم) وتفكيك خريطته السياسية وإعادة رسمها حسب مصالح امبراطور الاستعمار الجديد ترامب قال قبل يومين: "بعد دراسة جميع جوانب النقاش القانوني بعناية، خلصت الولايات المتحدة إلى أن إنشاء مستوطنات مدنية إسرائيلية في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي، ذلك
أن اعتبار إقامة مستوطنات إسرائيلية أمرا متعارضا مع القانون الدولي لم يحقق تقدما على مسار قضية السلام"!!.
نعتقد ونحن في كامل وعينا الوطني والسياسي أن الشرعية الدولية، ودماغ وضمير المجتمع الدولي، ونظام القانون الدولي هو هدف صفقة القرن، ولتحقيق هذا الهدف كان لا بد من ضحية، وبالتأكيد كنا نحن الشعب الفلسطيني الضحية رقم واحد، لظنهم اننا الطرف الأضعف بين دول والشعوب العربية ودول المنطقة المستهدفة ايضا، وبما أن المرحلتين الاولى والثانية من صفقة القرن قد تحطمتا على صخرة (لا) الرئيس محمود عباس ابو مازن الشجاعة، العاكسة لثبات الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه واصراره على الحرية والاستقلال وقيام دولته المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشرقية، فالمرحلة الاولى التي بدأت بقرار ترامب اعتبار القدس العربية المحتلة عاصمة للقوة القائمة بالاحتلال (اسرائيل)، والغاء حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة، واعتبار الجولان العربية السورية المحتلة ايضا أرضا اسرائيلية أسقطها الشعب الفلسطيني بالضربة القاضية، وصار مبنى  السفارة التي سيتم انشاؤها على ارض قدسنا بمثابة مستوطنة او موقع امني لا شرعية له اطلاقا ليس حسب القانون الدولي وحسب، بل حسب مبادئنا  واستراتيجيتنا السياسية الوطنية، أما المرحلة الثانية الحل الاقتصادي المالي الذي نصب  (صنمه) صهر ترامب ومستشاره (جاريد كوشنير) في الورشة الأميركية في المنامة عاصمة البحرين فقد اطاح بها الشعب الفلسطيني وجعل من سقوطها المدوي عبرة لمن يعتقد أن رغيف الخبز أو الرفاهية الاقتصادية أهم من الحرية.

أثبت ترامب ومعه وزير خارجية ادارته نظرية توريث الجينات الاستعمارية الاستكبارية العنصرية، وقدما برهانا على التزاوج النظري والعملي بغض النظر عن طبيعة العناصر العرقية أو المرجعية الدينية، فالصهيونية الاحتلالية الاستعمارية قابلة للعيش والنمو في أي رحم استعماري، ما دام الحبل السري يقدم اساسيات الحياة والأمان، ومن هنا فان احفاد المستعمرين  للقارة الأميركية ومستوطنيها كبومبيو وترامب سيكونان الأشد حماسة لتطبيق هذا النموذج عندنا في فلسطين، وهذا ما فعلته ادارة ترامب رغم  تجاوز العالم لهذا السلوك الذي بات يصنف كجبهة همجية قائمة على قواعد الغزو والاحتلال والتهجير تحت شعارات دينية في مواجهة جبهة الانسانية المدنية الحضارية.
قرارات ادارة ترامب وبومبيو على خطورتها لا تساوي قيمة ورقها وحبرها، ويمكننا تشبيهها كسموم ثعبان الكوبرا التي يجب التسلح بمعرفة مكامن قوتها وضعفها قبل واثناء تصدينا لها، فالكوبرا ذات الرأسين هذه الترامبي والنتنياهوي ستصيبنا بمقتل إن لم نستطع التغلب عليها ومحاصرتها بمناورات محكمة، قبل تمكنها منا ولدغنا مباشرة في شرايينا وأوردتنا، لكننا بذات الوقت يمكننا السيطرة على اعصابنا بالحكمة والشجاعة كما عودتنا قيادتنا السياسية في التعامل مع هكذا لحظات خطيرة ومصيرية، وتفريغ سموم الكوبرا الأميركية على حجر صمودنا  وعقلانيتنا، فلا يزيد تأثيرها عن تأثير ماء ملوث يمكن التطهر منه بيسر ... وهذا ما سنفعله فقد خبر شعبنا صيد الأفاعي والتماسيح وحتى الضباع الأميركية والاسرائيلية وهي رموز المخلوقات الأكثر غدرا وشراسة في عالمنا.
هنا لا بد من التأكيد على أي أن قوة في العالم مهما بلغ استكبارها واستعلاؤها لن تتمكن من تقرير مصير الشعب الفلسطيني وأرض وطنه التاريخي والطبيعي فلسطين، وهذه حقيقة يعرفها المستعمرون الغزاة المحتلون العنصريون أيا كانت جنسيتهم او اعراقهم، فهذه الأرض المقدسة فلسطين مرت عليها جيوش امبراطوريات استعمارية، واستوطنها غزاة لعقود، لكن شعبها الأصيل لم يتوان عن تحريرها واعادتها الى مكانتها في جغرافيا العالم السياسية والحضارية.