قبل ايام معدودة اقتلعت رصاصات الجريمة الصهيونية عين المصور الإعلامي معاذ عمارنة، وأمس اصدر وزير داخلية حكومة تسيير الأعمال، جلعاد أردان قرارا ضد ثلاث مؤسسات فلسطينية في القدس العاصمة الأبدية لدولة فلسطين: أولا مداهمة مكتب وزارة التربية والتعليم في البلدة القديمة، ومنع إقامة فعاليات مدة ستة أشهر؛ ثانيا مداهمة المركز الصحي في شارع السلطان سليمان، واعتقال مدير المركز، أحمد سرور؛ ثالثا مداهمة مكتب تلفزيون فلسطين (الأرز) في الصوانة، واعتقال مدير المكتب، ايمن ابو رموز، واستدعاء الإعلامية كريستين ريناوي للتحقيق، ومنع إقامة فعاليات لمدة ستة أشهر. وهو ما يشير إلى الحرب العنصرية المسعورة، التي يقودها نتنياهو الفاسد وأركان حكومة اليمين المتطرف ضد الشعب العربي الفلسطيني ومؤسساته الوطنية في اراضي دولة فلسطين المحتلة عموما والعاصمة الفلسطينية خصوصا.
ورغم ان هذه السياسة ليست جديدة، انما هي امتداد للمخطط الصهيوني الاستعماري الهادف إلى القضاء التدريجي على روح الوطنية الفلسطينية في زهرة المدائن وفي ال48، وشرعنة الاستعمار الصهيوني على كل مناحي الحياة في القدس، وتعميق عملية التغيير في مركباتها الديمغرافية والثقافية والحضارية والاقتصادية والسيكولوجية وترسيخ عملية الضم للمدينة المقدسة، ونزع ثوبها الوطني، وإرغامها على لبس ثوب الاستعمار والعبودية الصهيوني، الذي رفضته، ورفضه الشعب العربي الفلسطيني، وسيمزقه عما قريب.
وعلى اهمية المؤسسات التربوية والصحية كعناوين لبناء الإنسان الفلسطيني العربي، وصقله، وتعميده تربويا وصحيا في التربة الوطنية، وتجذير الرواية الفلسطينية في وعيه لمجابهة وتحدي الرواية الصهيونية المزورة والزائفة. غير أن استهداف الصورة والصوت والرسالة والكلمة الفلسطينية في القدس العاصمة الأبدية لم يكن اعتباطيا، ولا هو قرار مزاجي، أو آني ومؤقت، إنما هو قرار سياسي بامتياز، استهدف الشاشة الوطنية الفلسطينية، الناقلة للحقيقة، وللمعاناة التي يعيشها المرابطون المقادسة جراء الانتهكات والجرائم اليومية، التي ترتكبها اجهزة الأمن الإسرائيلية وقطعان المستعمرين بتوجيهات مبرمجة ومعدة سلفا من حكومة اقصى اليمين العنصرية والفاشية، التي تسابق الزمن لتنفيذ مخططها الاستعماري على كل الأرض الفلسطينية وتحديدا مدينة السلام والأنبياء والرسل.
فما بين اقتلاع عين معاذ قبل ايام، وقرار إغلاق عين الشاشة الفلسطينية الأهم، علاقة وطيدة لا تنفصم، لانها استهداف للحقيقة وحراسها وعيونها، ومحاولة إعدام الرواية الفلسطينية، وخنق الصوت والمشاهد الوثائقية، والحؤول دون نقل مآسي ومظالم الجماهير الفلسطينية في العاصمة وفي الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل، وحجب الرأي الآخر، وتكميم افواه الإعلاميين، واقتلاع عيونهم أو سحق حيواتهم إن استطاعت دولة البغي والعدوان والإرهاب الدولاني المنظم، لانها لا تريد ان ترى، أو تسمع صوت الحقيقة، أو تسمح بنشر الصورة الوثيقة، ولا تقبل من حيث المبدأ وجود الراوي الفلسطيني صاحب الأرض والوطن والهوية والرواية الأصلانية لفلسطين التاريخية.
ولا ينفصل القرار الاستعماري الجديد عن موقف وزير خارجية إدارة ترامب، بومبيو، الذي "شرع" الاستيطان الاستعماري على اراضي دولة فلسطين المحتلة، الأمر الذي حفز رئيس حكومة تسيير الأعمال، ووزير داخليته على تنفيذ جريمتهما الجديدة ضد المؤسسات الفلسطينية الثلاث، والعمل بخطى حثيثة لأسرلة الأرض الفلسطينية، وتوسيع نطاق التغول الاستيطاني على الأرض الفلسطينية وخاصة في القدس العاصمة. وهو ما يشير إلى ان الحرب الصهيونية الأميركية على الحقوق والمصالح الفلسطينية تزداد شراسة ووحشية ودونية، وتتغول على القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة والمعاهدات والمواثيق الأممية ذات الصلة بحقوق الإنسان والإعلام، وبالشعوب الواقعة تحت نير الاستعمار الأجنبي، والمتعلقة بقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. وهو ما يعني ان حكومة نتنياهو الفاشية ماضية قدما في مشروعها الاستعماري لهدم وتدمير جدران وزوايا وملامح وفصول الرؤية والرواية الفلسطينية.
لكن إسرائيل ومعها إدارة ترامب الأفنجليكانية المتصهينة لن يفلحوا في تحقيق مآربهم، ومخططاتهم الاستعمارية، لان الشعب الفلسطيني قادر على اجتراح الصعاب، وتحدي إرادة ومشاريع الأعداء الصهاينة وحليفتهم الإستراتيجية، وسيتمكن من رد الصاع بالف صاع والانتصار لحقوقه ومصالحه الوطنية العليا. وايضا باستناده لاشقائه العرب والشعوب الإسلامية ولانصار السلام في العالم، الذين صوتوا اول امس في اللجنة الثالثة للأمم المتحدة ب 165 صوتا لصالح حق تقرير المصير للشعب العربي الفلسطيني. لن اكرر دعوتي الدائمة للأقطاب والدول والاتحادات الدولية ذات الصلة باتخاذ ما يلزم، وعلى جماهير شعبنا وقواه ونخبه السياسية والإعلامية والتربوية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والصحية للتشمير عن سواعدهم دفاعا عن قضيتهم وروايتهم، كما يليق بها وبهم.