تجدّدت الحيوية في الحراك الشعبي اليمني المطالب برحيل الرئيس علي عبد الله صالح، بعد أسابيع من التأثير "السلبي" على هذا الحراك، الناجم عن "الملاعبات" السياسية التي يتقنها الطاغية اليمني، وذلك بفضل فوز الصحافية اليمنية الشابة توكل كرمان بجائزة نوبل للسلام لهذا العام. اعتبر الشباب اليمني الثائر وعن وجه حق فوز واحدة من الناشطات في صفوفه، العضو في حزب الإصلاح المحافظ، تقديراً لكفاحه السلمي من أجل الحرية، واعترافاً أخلاقياً "عالمياً" بمشروعية هذا الكفاح، وقوة دفع حاسمة له، في معركته مع النظام المستبد الذي يُصرّ على البقاء، رغم كل ما ارتكبه من مجازر دموية في المواجهة المستمرة منذ مطلع العام وحتى الآن، ورغم كل "المخارج" السياسية اللائقة، التي قدمت له لخروج آمن!. ورغم أن الناشطة اليمنية قد حازت "ثلث" الجائزة، أي أنها تقاسمتها مع رئيسة الدولة الليبيرية إيلين جونسون سيرليف، ومواطنتها الناشطة في حركة نضال الليبيريات من أجل السلام، اللتين واجهتا نظام صامويل دو الديكتاتوري السابق، والذي تسبب في حرب أهلية اجتاحت البلاد طوال فترة حكمه، أي نحو أربعة عشر عاماً، إلاّ أن فوزها، ينطوي على دلالات بالغة، فأن تشارك رئيسة ليبيريا، يؤشر على أنه يمكن للمرأة العربية، حتى في البلد الذي يعتبر واحداً من أفقر الدول العربية، وأكثرها محافظةً وتهميشاً للمرأة، أن تأخذ مكانها، وصولاً إلى "سدة الرئاسة"، كما أنه يعتبر إعلاءً من شأن الصحافة التي بدأت في احتلال موقع أكثر تأثيراً في صنع الحياة العامة العربية، وليس أدل على ذلك من الدور الذي تلعبه الفضائيات العربية، كذلك المدونون العرب والمدونات العربيات، على مدار الساعة في مواجهة الطغاة والتحريض على أنظمتهم المستبدة. وقد لا يقتصر الشعور بالزهو على اليمنيين لفوز مواطنتهم الشابة بالجائزة، ذلك أنه حيث إنها شابة، يعتبر ذلك دليلاً على أن مقدمة المسرح العربي العام، باتت تفتح أبوابها للشباب، في عصر "الربيع العربي" وكأن الجائزة منحت لهذه السيدة بالنيابة عن كل المتظاهرين، في الساحات السورية، اليمنية، الليبية، المصرية، الذين لن يطول الوقت، حتى يشكلوا الحكومات، ويقوموا ببناء المؤسسات السياسية، الثقافية، الاقتصادية الحديثة في كل مكان من هذا الوطن الممتد من المحيط إلى الخليج. ورغم أن الرأي العام العربي، لا يحتفي كثيراً بهذه الجائزة العالمية، بحكم الأبعاد السياسية الدولية، التي توجه بوصلتها، يمكن ملاحظة إذاً أن العربية الوحيدة التي تمنح هذه الجائزة، منذ نشأتها، قد انضمت إلى خمس شخصيات عربية سبق لها وأن حازتها، أولهم الرئيس الراحل أنور السادات، ثم الروائي العظيم نجيب محفوظ، فالرئيس الراحل ياسر عرفات، فالعالم أحمد زويل، فالدكتور محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية، وبذلك يمكن ملاحظة أن جائزة نوبل تذهب في حقولها العلمية في الغالب إلى دول الغرب أميركا وأوروبا فيما يشارك العالم الثالث أي الدول الفقيرة بالفوز بها في حقول الآداب والمشاركة في صنع السلام. فوز نجيب محفوظ بالجائزة من قبل عُدّ تقديراً للأدب العربي كله، ودرّة في تاجه، رغم وجود القامات الأدبية العظيمة التي كان يمكن أن تحوزها لو تمتعت الجائزة بالحيادية والموضوعية، مثل أدونيس ومحمود درويش، وغيرهما كثير، كذلك كان فوز زويل بها، رغم جنسيته الأميركية، بمثابة اعتراف بالكفاءة العلمية التي يمكن أن يقف عليها العرب، لو أن ظروفهم الداخلية كانت أفضل، لذا فإن استقبال الشارع العام، لفوز محفوظ أولاً، وزويل ثانياً، بالجائزة كان حافلاً. على عكس ما حدث مع الرئيسين السادات وعرفات، طبعاً ذلك يعود أولاً "للحقل" الذي منحت فيه الجائزة، فالرئيس عرفات منح الجائزة بعد توقيعه اتفاقات أوسلو، ولم يمنح الجائزة تقديراً لكفاحه العظيم من أجل حرية الشعب الفلسطيني، وكذلك الرئيس السادات، منحه "الغرب" الجائزة، بعد توقيعه اتفاقات "كامب ديفيد"، وليس بعد اقتحامه خط بارليف!. ثم إن شركاء عرفات والسادات في الجائزة كانوا سبباً في أن ينظر الشارع العربي لهذه الجائزة بعين عدم الاكتراث، منحت جائزة نوبل لأنور السادات ومناحيم بيغن، فيما منحت لياسر عرفات مع كلٍ من إسحق رابين وشمعون بيريس!. هل يعتبر منح جائزة نوبل للسلام وهي قد جاءت أصلاً كتعبير عن الندم الذي انتاب العالم السويدي، بعد أن "وظف" علمه في صنع أدوات القتل للبشر، مع ذلك تدخلاً في الشؤون العربية الداخلية، ربما تكون الإجابة نعم بقدرٍ ما لكن مع سذاجة استمرار النظر للدول والمجتمعات بمعزل عن العالم، في عصر انفتحت فيه الحدود، لا بد من القول، إنها دليل على أنه لا يمكن لأحد في هذا العالم، مهما بلغ من مستويات الفن، أو درجات العلم والتقدم، أن يتجاهل الآخرين مهما وصلوا إليه من فقر أو من تخلف. ولا بد من الإقرار بأن الكفاح السلمي للشباب العربي وللشعوب العربية، قد وصل صداه إلى آخر أصقاع الدنيا، ولم يعد أحد قادراً على تجاهله، أو التقليل من تأثيراته الحاسمة، ليس فقط على إعادة صياغة الواقع العربي الراهن، بل ربما، على إعادة صياغة العلاقات الدولية، ومن ثم المجتمع البشري بأسره. وإذا كانت جائزة كرمان، هي بمثابة نوبل "للربيع العربي"، فإنها لا بد أن تتحول إلى قوة دفع لاستمرار الثورة ليس على صعيد الرقعة الجغرافية، أو في إطار الجغرافيا السياسية فقط، ولكن، أيضاً، على صعيد العمق والتحول إلى ثورة شاملة. لا بد من تعميم ثقافة الاحتفاء، على الثقافة العربية، بحيث يتم تخليد شهداء "الربيع العربي" بإطلاق أسمائهم في كل مكان، وتقدير مبدعي "الربيع العربي" في كل المهرجانات الثقافية: السينمائية، المسرحية، الفنية والأدبية، حتى تصبح الحرية مفردة صباحية/ مسائية، تدخل كل بيت وكل فصل مدرسي، لأنها تعتبر بحق الصفحة البيضاء الناصعة في تاريخ العرب الحديث، فهي تطوي صفحات سوداء من العجز والتزمت والغياب عن خشبة المسرح العالمي، وتفتح للعرب كل أبواب الأمل والاعتزاز بمشاركة الكون مشاركة إيجابية وفاعلة في صنع حياة أكثر عدالة وأعمق في جوهرها الإنساني لكل البشر.