رسمَ الكاتب سليم النجار صورة مكثّفة ذات ألوان عميقة، فيها الساطع والمشرق، وفيها المخضّب بالألم للفنان الفلسطيني المقدسي هاني جوهرية صاحب القمرة (الكاميرا) المقاتلة الذي لقّب (مسيح الثورة) فتناوله الكِتاب من عدة زوايا وفي فترات مختلفة من حياته القصيرة (37 عامًا).

 

يُظهر لنا النجار حِرفيّة الكاتب بكتابه المعنون: "الكاميرا تشرق من القدس، هاني جوهرية (مسيح الثورة) (1939-1976)" حين يضيف مَضاءً إلى واقع الحديث في الكِتاب إذ يتدخل بريشته لعله يفتّح لونًا هنا ويغمّق آخر فتبدو الصورة في العين أوضح وأجلى (ففي لحظة الإشراق بالمفردة الفلسطينية لا بد أن تكون سيدة فلسطين....كانت القدس القلادة التي تزين صورتك، الصورة تُلهم وهي خزانة مثلها مثل العين في المنفى ص47)، لذلك (هناك شيء منك أعرفه لا يملكه شبيهك الغريب عنك. ينوء بغربته فيما تعجن أنت تلك الغربة بصورك...أنت من تجليات نهار لم تعشقه بعُمق لذلك تبدأ التصوير كما لو أنك تنسى-ص48)

 

ما بين مرحلة الطفولة والمراهقة والشباب حين عانقت يد الفنان هاني جوهرية القمرة (الكاميرا) قصة تستحق أن تروى، خاصةً حين يحصل الاقتران الثلاثي بين نفس وطنية شغوفة، وروح نضالية ثائرة، وأشواق فنية متمردة فتنتج صورًا شمسية ثابتة، وأخرى متحركة (شرائط/أفلام) تنطق بالحياة الخصبة وإن كانت بين المخاطر.

 

الفنان والسينمائي الثائر هاني جوهرية مؤسس السينما الثورية الفلسطينية هو الإنسان اللطيف والمواظب والمحبوب الذي وجد في مواكبة الثوار غايته. (وثمة عشرات من الأسباب التي تجعل هاني جوهرية أحد أبرز المصورين في الثلث الأخير من القرن العشرين: الجمع بين الرؤية الحداثية والوضوح البسيط الماكر في تطبيق تصوير الشتات الفلسطيني، ترتيب الشكل وتقطيع الصورة إلى وحدات درامية متوازية، يساعده على إنجازها ذلك المِراس الطويل في العمل بين الفدائيين، والحياة معهم في قواعدهم، ومعاركهم ضد العدو- الناقد عدنان مدانات ص73). 

 

عبّر جوهرية عن فنّه وعشقه لفلسطين معًا بقبضة الكاميرا التي شبّهها أحد أصدقائه بيده بقبضة البندقية.

 

الرجل الذي جعل من العمل مِصداقًا للحُب صاحَبَ الثوار في ميادين القتال غير هيّاب، والتقط للثورة الفلسطينية مجموعةً من الصور الثابتة والمتحركة ما أصبحت أيقونات حتى اليوم.

 

من صور النكسة، لصور معارك الثورة، إلى صور ياسر عرفات وزملائه الأبطال في مواقف فريدة، عدا عن الشرائط (الأفلام) حول النكسة والعودة والأطفال والقدس زهرة المدائن، والحل الثوري، تلك التي أرّخت للقضية والمسار الثوري في مرحلة نهوض وألم.

 

(فالأمر المثير في إبداع هاني جوهرية أنه يرسلك إلى صور إبداعية عديدة، ويُنشئ بينه وبينها عددًا لا نهائيًّا من التبادل والتوافيق الرياضية الفنية التي تبطن العمل بألم مُضاعف-عبدالله حمودة ص110)

 

لم يكن لمثله إلّا أن يعانق شوقَه مستشهدًا في ميدان المعركة عام 1976 في معركة الجبل في لبنان.

 

قصة هاني جوهرية أول شهيد لسينما الثورة الفلسطينية تستحق أن تُقرأ ويحتذى بها خاصة للسينمائيين والمصورين الشباب اليوم، ففي عمله رسالة من رسالات المخلصين (والمخلص في التاريخ الفلسطيني قام بحركة المبرقع الفلسطيني السيفاني...ضمن ثورة أبي المعيطر في الشام ضد العباسيين.-ص142).

 

 (هاني جوهرية هو ذاك المثقف العضوي، ذاك هو الاسمنت الاجتماعي المنشود...ص142) إنه المتمرد على الواقع والنمطية، فالفلسطيني ليس مغلوبًا على أمره وليس هامشيًّا لذلك انضم لحركة "فتح" معتبرًا (أنَّ النضال ضد من طردوه من أرضه هو السبيل الوحيد لاسترجاع ما فقد منه-ص143)

 

وكل الشكر للكاتب سليم النجار الذي أضفى بقلمه -على شهادات قدّمها بالكِتاب من زملاء جوهرية- نصوصًا أدبية رائقة أضفت جمالًا يغريك بالمتابعة، ومسحةَ حزن أثيرة.