لكل مبادرة وطنية لاستعادة الوحدة الوطنية، وإنهاء الانقسام البغيض، قيمتها وأمانتها الأخلاقية التي لا غبار عليها، غير أن السؤال المشاكس وهو يقدر هذه المبادرة، يظل باحثا عن المعرفة في تفاصيلها الواقعية، فيتفرع إلى أسئلة عديدة، أهمها عن جدوى تكرار كلمات وشعارات طالما ثبت أنها محض بلاغة حزبية ليس بوسعها أن ترمم أي شيء من أي واقع..!! وثمة ما هو أكثر غرابة في هذه الكلمات وهذه الشعارات أنها لا تعترف بوجود رؤية للخروج من واقع الانقسام البغيض، نافية بذلك ثلاثة عشر عاما من محاولات الخروج من هذا الواقع والتي طالما استندت إلى رؤية أنجزت اتفاقات واضحة ظلت على الدوام في دوائر حركة حماس لأغراض التمزيق وما زالت كذلك، واسماعيل هنية في خطبه يتحدث عن حسن حكم حماس لقطاع غزة (...!!) بما يعني بلا أي شك أن حماس ليست بوارد إنهاء الانقسام، ولا بأي حال من الأحوال، ولا ندري إن كانت المبادرات الوطنية قد استمعت إلى خطب هنية أم لا..!!
لقد بح صوت المسؤولية الوطنية الذي قال ويقول، والوقائع تؤكد ذلك، إن الانقسام البغيض ليس صناعة فلسطينية، وأن حركة حماس ولدت انقسامية، وأن مشروع حماس هو مشروع الجماعة الإخونجية الذي لا علاقة له بفلسطين ومشروعها التحرري الوطني، ومع ذلك ما زال البعض لا يرى ذلك، ولا يريد أن يقترب حتى من هذه الرؤية، وهو يحث الخطى في دروب جملته الحزبية التي ما زالت تغازل حماس على هذا النحو أو ذاك، وتردد غالبا جملة حماس ذاتها، عن الانقسام بأنه خلاف مع حركة فتح ليس إلا، وبفرية الغايات السلطوية...!!!
وعلى أية حال، وطالما أن الانقسام البغيض ليس صناعة فلسطينية، فإن أهدافه التدميرية للمشروع الوطني الفلسطيني لن يكتب لها النجاح أبدا، وليس لأن هذا هو قرار الشرعية قائدة الحركة الوطنية فحسب، بل ولأن من طبيعة فلسطين أساسا ألا تقبل بغير ما هو فلسطيني، بكل ما يتعلق بمشروعها التحرري، خاصة وهي تمتلك تماما قرارها الوطني المستقل، وكيانها السياسي، الممثل الشرعي والوحيد لشعبها منظمة التحرير الفلسطينية.
ويبقى أن نؤكد، أن المبادرات الوطنية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية تظل موضع ترحيب وتقدير، ونريدها اكثر من ذلك أن تكون موضع بحث جدي مسؤول، دون تلك اللازمات اللغوية، ودون تلك الجمل الحزبية ومناورات دعواتها "المسالمة" التي ما زالت تؤخر أكثر مما تقدم.
الانقسام مرض خبيث وعلاج المرض الخبيث لا يكون بالمسكنات ولا بالدعوات الصالحات أبدا.