فتح ميديا - لبنان

تتعرض المنطقة العربية أو ما أصبح يطلق عليها اسم ( منطقة الشرق الأوسط) لعواصف وأنواء ليس من السهل تجاوزها مع ضرورة تجاوزها، وليس من السهل التعاطي معها مع ضرورة رسم أسس ثابتة لذلك، وليس من السهل الخروج منها بنتائج تعظم الفوائد وتقلل الخسائر، ولكن ذلك يعد لازما في أهم منطقة صنعت وما زالت تصنع التاريخ.

ان المنطقة الممثلة للدائرة الحضارية العربية الإسلامية لا تستطيع العيون أن تنحرف عنها إلا بزاوية صغيرة تمثل حالة الامتداد الإقليمي للمنطقة شرقا وغربا.

فكلما اتسعت زاوية النظر شرقا كان اللاعب (اللاعبون) الإقليمي يحاول الإمساك بخيوط اللعبة حيث تتمركز كل من إيران وتركيا وان عدتا في إطار ( الشرق الأوسط)، وحيث نظر غربا فان أوروبا العجوز والفتية من جهة وحيث الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تولي عناية فائقة واهتماما في المنطقة على ذات القاعدة الذهبية المعلنة وهي الحفاظ على أمن (إسرائيل) والنفط والهيمنة.

ولكنه ورغم هذه النظرة الواسعة فان الوسط يتمركز فيه اللاعب الذي غيَّر وجه المنطقة وصنع المأساة الفلسطينية بالتعاون مع الغرب وهو الاحتلال الصهيوني.

واليوم إذ تقدم منظمة التحرير الفلسطينية على الذهاب إلى الأمم المتحدة لنيل الاعتراف بدولة فلسطين في مجلس الأمن وهو مسعى محفوف بالمخاطر، فان هذه الخطوة التي تأتي في جو عاصف وستزيد الأمور عصفا فإنها تأتي فلسطينيا و(عربيا ) لتحقيق:-

1- تحريك المياه الراكدة في المنطقة حيث الغطرسة الصهيونية المتواصلة، والإصرار على تفريغ المفاوضات من مضمونها في سياق استمرار أحكام السيطرة على الأرض.

2- تلقي برسائل صريحة لكل اللاعبين في المنطقة الكبار منهم والصغار أنْ كفى صراخا وكفى شعارات وكفى لعبا بمصير الشعب الفلسطيني فالعنوان واضح والمطالب الشرعية تحتاج لان تجتاز الكيلو متر الأخير.

3- تتعانق الخطوة مع الحراك العربي الشعبي السلمي وتؤكد صحة خيارات القيادة الفلسطينية التي اتبعت استراتيجية (انتفاضية) أصبحت هي ذاتها خيار كل شعوب العرب وحتى في (إسرائيل) في نضالها ضد الهيمنة والاستبداد والظلم عبر الوسائل النضالية الجماهيرية.

4- تؤكد على صحة الخط السياسي من جهة وعلى صلابة وحسن إدارة وقدرة القيادة السياسية على (اللعب) بالأوراق المتاحة، في ظل تقييم علمي للقوى المتصارعة، وفي لحظات التغيرات التي تعصف بالمنطقة كلها ما لا يجب ان تستثني معها القضية الفلسطينية.

5- إن طلب العضوية الكاملة من مجلس الأمن ضربة للسياسة الأمريكية في المنطقة تلك السياسة ذات الوجه المزدوج، فمن حيث هي مع حقوق الإنسان والحريات والديمقراطية، فاننا لا نرى ذلك واضحا عندما يتم الحديث في الشأن الفلسطيني.

وعندما يخطب الرئيس أوباما أنه يريد رؤية علم دولة فلسطين يرفرف في الأمم المتحدة فانه سرعان ما يتراجع فيما لا يجوز التراجع عنه، ويتبدى بوضوح وجه أمريكا بطبعته الصهيونية الحصرية.

إن تقديم طلب عضوية فلسطين للأمم المتحدة رغم شراسة رد الفعل الإسرائيلي لا يعني (تدمير) دولة (إسرائيل) كما ينشر الرعب الداخلي والخارجي الاسرائيليون ، كما لا يعني أبدا أن الموافقة على الطلب أورفضه ان نضالنا الوطني الفلسطيني والعروبي قد توقف عند هذا الحد، وأيضا لا يعني بالضرورة ان فلسطين حتى لو وافق مجلس الأمن أو الأمم المتحدة عليها قد أصبحت واقعا على الأرض ... فلا تفرحوا كثيرا ولا تجهشوا بالبكاء أبدا.

إن الأرض الفلسطينية بغض النظر عن مدى استجابة الأمم المتحدة، سيظل الاحتلال هو المتحكم الرئيس فيها... فلا مناص من إسناد النضال بخطوات أخرى ومهمات عمل شاقة قد تكون أصعب، فالنضال ما دام الاحتلال جاثما يتجدد ولا ينتهي ، يتواصل ولا ينقطع.

إن العواصف والأنواء في المنطقة مركزها الرئيس ومحور ثورانها هو القضية الفلسطينية منذ أكثر من 60 عاما بل ويزيد، وفي ظل مختلف المراحل ومتغيرات السياسية والأفكار والوسائل تأتي خطوة الاتجاه للأمم المتحدة محاولة (ومعركة من مئات معاركنا) لكسر نمط المفاوضات الرتيب وغير المجدي حتى تاريخه، حيث حاول الاحتلال الصهيوني أن يجعلها تدور إلى ما لانهاية وبلا نتيجة دوران الثور في الساقية.

ذاهبون إلى الأمم المتحدة لنطالب بحقنا... حيث استقلت كل أمم الأرض وأنشأت دولا وممالك ومنها (إسرائيل) التي نشأت على أرض فلسطين التاريخية أرضنا بقرار أعطاها دولة مقرونة بالضرورة بدولة فلسطينية.... ها نحن نطالب بعضويتها، ونحن بقينا الشعب الوحيد الرازح تحت ثقل الاحتلال البغيض ونعاني من (هولوكوست) إسرائيلي متلازم مع إنكار عنصري بغيض من اليمين الإسرائيلي للآخر وهو نحن.

إن الاحتلال الصهيوني في أزمة حقيقية و( التسونامي) أمامه وخلفه مهما كانت النتائج من خطوة تقديم طلب الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، وحتى في حال الرفض أو الالتفاف عليها.... فان الانجاز قد تحقق بأن اسمعنا العالم كافة أننا اكتفينا من الظلم والاحتلال الصهيوني والمعاناة والحرمان فلا مناص عن الاستقلال ولا بديل عن الدولة والقدس وعودة اللاجئين.

إن العواصف التي تعيشها المنطقة ستكون عاجلا أو آجلا في مصلحة القضية الفلسطينية وضد الاحتلال الصهيوني ، فمهما كانت (المحلية=القطرية) ذات أولوية في الشأن الوطني لكل دولة من دول التغيير العربي فان فلسطين تشكل أو ستشكل الجامعة والرابط والحجاب الحاجز لكل هذه التغيرات والدول.

الدولة العبرية ترفض الدولة الفلسطينية وترفض الذهاب الفلسطيني للامم المتحدة من عدة زوايا:

1- فهي تريد استمرار سيطرتها على الضفة الغربية التي (تخردقت) بالمستوطنات لتصبح كالجبنة السويسرية لا تستطيع أن تتحرك من خلالها دون أن تروّع باعتداءات عصابات المستوطنين.

2- وهي تصر على الاحتفاظ بجبال الضفة (أمنيا) ومياهها الجوفية ومنطقة الأغوار، لذا فالمستوطنات على هذه المرتفعات وفي هذه المناطق تشكل عنوان هذه السيطرة التي تريدها أبدية.

3- أما عن القدس فحدث ولا حرج وان كان (هرتزل) ذاته قد كرهها عندما زارها في أواخر القرن التاسع عشر فإنها تشكل الآن مربط الفرس ليهود العالم الذين اقنعتهم الصهيونية بضرورة امتلاك هذه البلاد وبدعم بريطاني كامل سرعان ما تحول الى دعم أمريكي لا محدود.

4- وهي تريد كحكومة إسرائيلية للائتلاف الحكومي القائم الا ينفرط عقده، فكلما طال الأمد كلما طال عمر الائتلاف الذي يلعب فيه المتشددون دورا خطيرا قد يتضاءل مع (ثورة) الإسرائيليين في الشارع على الظلم والإهمال والاستبداد.

5- لا جدال بأن التيار الديني المتشدد ما زال يرى حلم (إسرائيل) الكبرى على مرمى حجر، فان تنازل وتراجع أمام الفلسطينيين (الضعفاء) قد يتم اختراق الجسد في قلب (إسرائيل)، لذلك فان اشتراط يهودية الدولة والمستوطنات تمثل خط الدفاع الأول ضد التمدد (الديمغرافي) الفلسطيني وضد أي (أحلام) بإمساكهم بحكم البلاد في ظل دعوات فلسطينية-إسرائيلية هامسة بضرورة نشوء دولة ديمقراطية مدنية واحدة على أرض فلسطين التاريخية.

إن الرافضين من الفلسطينيين لمعركة الأمم المتحدة منهم المحق في أجزاء مما يطرحه، ومنهم الانتهازي ومنهم المتخوف ومنهم المتصيد في المياه العكرة، فحين يطرحون ضرورة المشاورة (ليذهبوا مع الرئيس أبومازن الى الأمم المتحدة كما صرحوا بوضوح) ، فكأنهم شاوروا مخالفيهم عندما أعملوا السيف في اجساد الناس عندما انقلبوا انقلابهم الدموي عام 2007 في غزة ، هذا الانقلاب البائس الذي خلف مئات الشهداء.

 أو كأنهم تشاوروا مع الشعب الفلسطيني حينما استوطنوا الملاجئ وتركوا الشعب وحيدا يذبح على يد الآلة الصهيونية التي ارتكبت مذبحة غزة عام 2009.

تتوقف موافقة (حماس) حسب ما قالوا جميعا عند حد أن يكون لها دور فقط، فليس الموضوع تخوفات وطنية أو قومية أثارتها تنظيمات أخرى.... ثم لحقت بها حماس لتغطي الموقف المرتبط فقط بأنه إذا نظرتم فيجب ان تبصرونا إمامكم لا خلفكم.

كل الاستفتاءات أكدت على موافقة الشعب الفلسطيني على هذا التحرك القانوني والسلمي والشرعي والسياسي ما أعطى دلالة على وعي عميق لدى هذا الشعب ورغبته العارمة في التحرر ونيل الاستقلال.

 والمعارضون المتخوفون من حقهم التخوف ولكن ليس لهم ان يشككوا، ومن حقهم النقد ولكن ليس لهم بالاتهام والتشهير، ولهم ان يثيروا المحاذير ويصدقوا فهي كثيرة .....ولكن لا نقبل منهم التكفير او التشهير او الاتهام بالعمالة وهم  مجموعات وشخصيات نحترمها سواء اتفقنا معها او اختلفنا.

هل سيختفي دور (م.ت.ف) ؟ وهل سيصبح اللاجئون نسيا منسيا؟ وهل سنساهم بالإضرار بالفلسطينيين داخل الخط الأخضر، وغيرها من التساؤلات التي أجاب عليها الرئيس ابو مازن بوضوح وبكلمة واضحة هي : لا .

ومع ذلك فان التجربة الصلبة للرئيس أبو مازن "وحركة فتح" حينما قال وفعل ولم يرتكس في أكثر من موقف أو منعطف حاد كان يجب أن تكون بالنسبة لنا جميعا دليلا على طبيعة الخط السياسي الثابت ومرجعا نقرأ من خلاله الإستراتيجية الفلسطينية التي يجب أن نحيطها بمصدات الهواء فلا ندع من أنواء السياسة الخارجية والداخلية أن تقتلع شتلاتها من جذورها أو تطيح بأزهارها.

إن المعارضة العدمية عقلية عانت منها الثورة الفلسطينية طويلا ، وهي عقلية تراجع لا تقدم وعقلية تآكل للمشروع الوطني لا تكثيف أو تكبير لمنجزاته.

فمن حيث انطلقت الدبلوماسية الفلسطينية تقودها حركة فتح تحقق تقدما كانت المعارضة العدمية تقبّح الأفعال الجميلة وتهوّن من شأن الانتصارات وتحرّض الشارع بدلا من أن تجعل من التخوفات والانتقادات والمحاذير المشروعة درعا واقيا للإستراتيجية والدبلوماسية الفلسطينية.

لا نعترف بدولة ( إسرائيل) ولا نعترف بدولة على حدود 1967 ونريد عودة اللاجئين ، وفلسطين من رفح إلى الناقورة ومن ايلات إلى ترشيحا هي دولتنا هكذا غدت حناجر بعض قيادات حماس تصدح وكأنها تقول حقا وليس مجرد شعارات أمام مئات من الطلاب المتحمسين الذين يخطب بهم إسماعيل هنية.

لان من يريد كل ذرة من تراب فلسطين لا يقتل وينقلب ويكفر إخوته ولا يطالب بهدنة بلا أمد مع العدو الصهيوني، ومن يريد كل ذرة تراب كما يصرخ في الفضائيات وأمام الطلاب المتحمسين لا يصر على الثوابت الفلسطينية (في حدود 1967) كما هو الأمر في كل وثائق المصالحة المختلفة وأمام عدسات التصوير الأجنبية ويؤكد ذلك من خلال كبح أي عمل عسكري بالقوة من غزة .

 ألا يكفي هذا الشعب الشعارات؟! حيث تنثر في جنبات الغرف المغلقة والقاعات مثل هذه الشعارات مع حرارة التصفيق التي لا تستطيع أن تنضج رغيفا فكيف تحرر شبرا.

كيف من الممكن أن نفهم تساوق كل من حماس و(إسرائيل) والولايات المتحدة معا في رفض هذه الخطوة السياسية الفلسطينية ( وعموما أي خطوة لا يكون لهم دور فيها)، وكيف نفهم علو الصوت أو خفوته استنادا لطبيعة المقعد الذي يجلسون عليه فحيثما جلس قادة حماس في المقاعد الأمامية يخفت صوت الاعتراض وعندما يجلسون في مقاعد الحافلة الخلفية علت أصواتهم!؟

(إسرائيل) متضايقة من الخيار الفلسطيني وتعتبره حربا على كيانها واقتلاعا له من جذوره، وإفقادا لشرعيتها وتستنفر كل جهودها السياسية والأمنية لمنع وصول الطائر الفلسطيني الميمون الى نيويورك فما بال حماس تتساوق معها في خيار تعتبره حلما أو (قصورا في الهواء)، فان كان كذلك فدعوا القصور تنهار لوحدها وستعود لكم دفة القيادة؟! ولا تظهروا البديل الجاهز حال سقوط الخيار وكأنكم تقولون للاعبين الاقليميين وامريكا و(اسرائيل) ها نحن أولاء نتقدم الصفوف دوما وسنعطيكم ما تشاؤون.

ذاهب إلى الأمم المتحدة لأطلب حقي.. ببساطة ما يعبر عنه الرئيس ابو مازن ملتقطا اياه من فم كل فلسطيني مؤمن بوطنه وحريته ووطنه.

وفي ظل منطقة رمال متحركة وأنواء صاخبة فان الطريق شاق والخطوة (او الخيار) يجب أن تتلوها خطوات تترابط فيها الوسائل والمهمات النضالية كافة من تفاوض ذي مرجعية وحراك شعبي ودبلوماسية واعلام ووحدة وطنية وتوافق عربي وانتفاضات و دعم أوربي وصولا لتحقيق ثوابتنا الوطنية بعيدا عن عصا الأستاذ الجاهل أو الشيخ المتصابي أو الشعارات العريضة بلا مضمون مترجما على الأرض فعلا وحقا وحقيقة.

إن نضال الشعب الفلسطيني الطويل ومنذ بداية القرن العشرين في أكثر من مائة عام.... آن الأوان له أن يلتقط ثماره، وحان موعد أن يحقق أماني شعبه وأحلام الجماهير العربية العريضة، وليس علينا في كل خيار أو تحرك أو خطوة أن نرتبك أو نخاف أو نتراجع، فالمسيرة طويلة ومازالت شاقة في مجموعة من الخطوات المتصلة في استراتيجية واضحة قصيرة وطويلة المدى والنفس يحدونا فيها الأمل المتعانق مع العمل والإيمان بالله وحقنا أن ننتصر.

وانها لثورة حتى النصر