فتح ميديا - لبنان

في أيلول 2010 أعلن الرئيس أوباما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة أنه يرغب في أن يرى ولادة دولة فلسطينية في أيلول 2011، وان تكون هذه الدولة عضواً في الأمم المتحدة. وحين استؤنفت المفاوضات الثنائية بين منظمة التحرير الفلسطينية واسرائيل في أيلول 2010 جرى الاعلان عن ان الطرفين يسعيان الى التوصل الى اتفاق على قيام دولة فلسطينية خلال مدة اقصاها سنة واحدة تنتهي في ايلول 2011. وها هو أيلول 2011 يكاد ينتهي ولم يتحقق اي وعد من وعود اوباما وابعد من ذلك، فقد مرَّ ثمانية عشر عاماً على اتفاق اوسلو ولم تصل  الامور الى خواتيمها المنتظرة، اي جلاء اسرائيل عن المناطق المحتلة بما فيها القدس، واقامة دولة فلسطينية مستقلة، وحل مشكلة اللاجئين استناداً الى القرار 194 الذي ينص على حق العودة الى ديارهم الأصلية. بين ايلول 2010 وأيار 2011 وصلت المفاوضات الثنائية المباشرة وغير المباشرة الى طريق مسدود، وتبخرت الالتزامات الاميركية التي اعلنها اوباما في الخطابين اللذين القاهما في القاهرة واسطنبول، وعادت الولايات المتحدة الى سياسة الدعم المطلق لاسرائيل، وصوتت بالفيتو في شباط 2011 ضد قرار في مجلس الامن يدين استمرار اسرائيل في بناء المستوطنات، وفشلت مهمة جورج متشل كمبعوث خاص للرئيس اوباما. وحيال هذه الوقائع اتخذ الرئيس محمود عباس في 25 ايار 2011 خطة ذهاب منظمة التحرير الفلسطينية الى الامم المتحدة ومطالبتها بقبول فلسطين دولة كاملة العضوية فيها. وكانت الغاية تحرير السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير من دوامة المفاوضات الثنائية، وتأكيد استقلالية القرار الفلسطيني، والسعي الى نيل العضوية في الجمعية العامة، الأمر الذي يمنح فلسطين الحق في مقاضاة اسرائيل والمستوطنين امام المحاكم الدولية، وأمام الهيئات الحقوقية الأممية في ما لو رفضت الانسحاب من الضفة الغربية وإنهاء احتلال لدولة عضو في الأمم  المتحدة.

اتفق الجميع في اسرائيل (الليكود وميرتس والعمل وكاديما) على وصف الخطة الفلسطينية بـ"تسونامي" ومنذ ذلك الوقت، واسرائيل تسعى لثني الدول الاوروبية ودول اخرى عن التصويت لمصلحة الخطوة الفلسطينية، وعلاوة على تهديد السلطة الفلسطينية باتخاذ اجراءات قاسية ضدها وقد تداول المجلس الوزاري الاسرائيلي المصغر في اجتماعه يوم 30/8/2011 مجموعة من الاجراءات منها وقف تحويل اموال الضرائب الى السلطة الفلسطينية، واتخاذ اجراءات أمنية مثل تسليح المستوطنين وقد جرى، بالفعل، تدريب 7400 شرطي وتأليف 20 سرية لقمع المتظاهرين المحتملين، وتأمين 200 ألف ليترمن المواد ذات الرائحة الكريهة جداً لاستخدامها ضد الفلسطينيين عند الضرورة. وتهدد اسرائيل بمحاصرة السلطة الفلسطينية وتقييد حرية الحركة للفلسطينيين في الضفة الغربية، وسحب بطاقات تسهيل التنقل من المسؤولين. وعلاوة على ذلك فإن الولايات المتحدة الأميركية نفسها هددت، بطريقة ابتزازية، بوقف الدعم المالي للسلطة الفلسطينية ( 470 مليون دولار)، وبخفض المساعدات التي تقدمها الى الاونروا. ومع ان دولة نفطية عربية واحدة قادرة على تعويض ذلك كله بشيك، الا ان الأمر يتعدى المسألة المالية بالطبع، ليطال جوهر النضال الفلسطيني في هذه المرحلة.

ماذا تريد الولايات المتحدة؟

تريد الولايات المتحدة ان تعود السلطة الفلسطينية الى طاولة المفاوضات الثنائية دون اي ضمانات جدية. وهي تعرض توقيع اتفاقية اطار خلال عام من التفاوض، على ان يجرى تنفيذها خلال عشر سنوات. واتفاقية الاطار هذه ستتضمن حدود الدولة الفلسطينية القابلة للتعديل، وربما عاصمتها (القدس الشريف)، ووضعها الأمني (دولة منزوعة السلاح)، وآلية مراقبة الحدود، وطبيعة العلاقات التي ستنشأ بين الدولة واسرائيل، وتسوية غير تفصيلية لقضيتي اللاجئين والمستوطنات.

ماذا تريد اسرائيل؟

تريد اسرائيل عدم التوصل الى اي اتفاقية مع الفلسطينيين الا اذا ضمنت بقاء القدس موحدة وعاصمة لاسرائيل ، وضم كتل المستعمرات المحيطة بالقدس اليها، وبقاء الجيش الاسرائيلي على امتداد الحدود مع الاردن طوال 40 سنة مقبلة. وقد كان نتنياهو واضحاً تماماً في خطابه امام الكونغرس الذي وقف أعضاؤه نحو 44 مرة مصفقين له، حين أكد أن لا عودة الى حدود الرابع من حزيران 1967، ولا عودة للاجئين الى ديارهم الأصلية، ولا انسحاب من القدس التي ستبقى، بحسب زعمه، موحدة وعاصمة أبدية لاسرائيل، ولا انسحاب من غور الاردن. ولمزيد من الوقاحة طالب في الخطاب نفسه بإلغاء اتفاق المصالحة بين فتح وحماس، والاعتراف بإسرائيل دولة يهودية.

هل يُلغى اتفاق أوسلو؟

الاسرائيلي الوحيد الذي هدد اتفاق اوسلو كان وزير الخارجية أفينغدور ليبرمان. ويبدو ان احتمال الغاء الاتفاق ضئيل للغاية، اذا لم يتطرق اليه احد من صانعي القرار في اسرائيل. ثم ان الفلسطينيين هم من كان يهدد في الماضي القريب بحل السلطة الفلسطينية ( ما يعني الغاء اوسلو استطراداً) وليس الاسرائيليون وفوق ذلك فاتفاق أوسلو ليس مجرد اتفاق بين طرفين فقط، بل هو اتفاق ذو طابع دولي، ولا تستيطع اسرائيل طوي صفحة هذا الاتفاق من غير ان تثير عليها نقمة الاوروبيين والعرب (مصر والاردن بالتحديد) والأمم المتحدة الذين ضمنوا هذا الاتفاق منذ البداية، وستظهر امام العالم الغربي (وهي شديدة الحساسية لصورتها امام الاميركيين اولاً ثم امام الاوروبيين ثانياً) على انها دولة نافرة لا تحترم المواثيق والاتفاقات، ولا سيما التي كان لأوروبا شأن مهم في التوصل اليها.

نتائج غير محسوبة

كان يحلو لبعض الفلسطينيين ان يرددوا، حيال وصول المفاوضات الثنائية الى حائط مسدود، ان على منظمة التحرير الفلسطينية ان تحل السلطة الوطنية، كي تضع بهذا الاجراء، اميركا وأوروبا والأمم المتحدة امام التحدي السياسي، وتضع اسرائيل في زاوية محرجة وضيقة حين تعيد اليها المسؤولية الكاملة، أمنياً واقتصادياً، عن الضفة الغربية. والحقيقة ان مثل هذه الافكار يشوبها كثير من السذاجة السياسية. فحلّ السلطة لن يجعل إسرائيل مسؤولة تلقائياً عن شؤون الناس في المناطق المحتلة، وتستطيع اسرائيل ان تتذرع بألف ذريعة لترفع عن كاهلها هذه المسؤولية، وتحيل ذلك كله الى الولايات المتحدة الاميركية الراعية لاتفاق اوسلو. ثم ان حل السلطة الوطنية لا يعني، على الإطلاق، تحويل إسرائيل الى دولة ثنائية القومية كما ادعى كثير من الفلسطينيين، بل يعني تحويل اسرائيل الى دولة على غرار جنوب افريقيا في مرحلة النظام العنصري (وهي دولة عنصرية تماماً). والحال ان الهدف الفلسطيني من قيام السلطة الفلسطينية كان السعي للخلاص من الاحتلال ومن التمييز العنصري معاً.

الآن تنقلب الصورة لدى بعض الاسرائيليين الذين يهددون بإلغاء اتفاق اوسلو. ومع ان هذا الاحتمال ضئيل جداً، إلا ان إلغاءه سيعيد الأمور إلى زمن الانتفاضة  الأولى. بالتأكيد، والى عهد العمليات العسكرية الكبيرة. ومن غير المرجح ان تخاطر اسرائيل في اتخاذ قرار سياسي يرتب عليها اعادة نشر ما لا يقل عن مئة ألف جندي في الضفة الغربية. وهذا الأمر الآن في خضم الثورات الاحتجاجية العربية التي، على ما يبدو، لن تريح اسرائيل وخططها لتأمين حدودها وأمنها وتجارتها واستثماراتها في العالم العربي. وها هي ثورة مصر تقرع الناقوس  مجدداً لدى صانعي القرار السياسي في اسرائيل، وتشير الى ان هذه الثورات ربما تحمل معها عداء متزايداً لإسرائيل لدى الشعوب العربية. ومن الأجدى ان يتمسك الاسرائيليون  باتفاقاتهم السابقة مع العرب مثل اتفاقية سلام مصر، واتفاق وادي عربة مع الاردن، واتفاق اوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية. في معمعات هذا الاضطراب الكبير الذي احدثته خطوة  الذهاب الى الامم المتحدة لنيل العضوية الكاملة لفلسطين في  هذه الهيئة الدولية، سيكون على الولايات المتحدة الاميركية اما استخدام الفيتو في مجلس الأمن، او محاولة تأجيل البت في هذه المسألة حتى سنة 2012. لكن، من المؤكد ان استخدام الفيتو سيقفل لعبة التخفي، ويكشف نهائياً ما كان معروفا أي خرافة الوسيط الاميركي، ويصبح من الصعب العودة الى المفاوضات الثنائية من دون ترتيبات جديدة. وفي اي مفاوضات جديدة، ومهما تكن نتائج حملة أيلول، فإن المفاوض الفلسطيني في المستقبل سيكون أقوى هذه المرة.