ما لبث الاحتلال يوماً عن محاولاته لاثارة النعرات الطائفية وبث روح التفرقة التي فشل خلال سنوات الاحتلال في زرعها بين ابناء الشعب الواحد والقضية الواحدة والعرق الواحد الذين ما اختلفوا يوماً بل كانوا يقفون في وجه الاحتلال صفاً واحداً وموحداً ضد كل السياسات العنصرية التي كان يحاول فرضها, وكانوا يدافعون بيد واحدة عن الكنيسة والمسجد وعن التراب والشجر وعن الحجر والبحر, وعاشوا في ظلال تآخ عميق يمتد جذوره الى أول الزمان ولا يزالون يحافظون بأجمل صور المحبة والتسامح على هذا الترابط الانساني الذي تفتقده دول كثيرة وبلاد عديدة, إلا أن في فلسطين وعبر تاريخها الطويل لم يحدث يوماً أن كانت هناك أية تفرقة على اساس الدين, بل ان روح التعايش كانت ولا تزال هي السائدة وهي السلاح القوي المتين الذي يجمع الشعب الفلسطيني في خطوة قد تكون متأخرة قليلاً إلا أنها جاءت لتعزز هذه المفاهيم والقيم حيث أصدر الرئيس قراره بحذف الديانة من بطاقة الهوية الشخصية, حيث ظلت موجودة منذ بداية الاحتلال الذي فرضها على بطاقة الهوية في محاولة منه لكي تكون أحد أشكال التمييز العنصري والطائفي, وربما لظروف قاهرة لم تستطع السلطة الوطنية من شطب هذه المكيدة خلال السنوات السابقة ولكنها أن تأتي اليوم خير من أن لا تأتي, كما أن لهذه اللفتة الكثير من المعاني التي جسدها شعبنا الفلسطيني على الارض قبل ان تكون في بطاقة الهوية, لأن الترابط الأخوي الموجود عميق لدرجة أنه كان الحصن المنيع الذي كسر كل مؤامرات الاحتلال ومحاولاته في تقسيم الشعب الواحد على اساس ديني أو طائفي سواء كان ذلك في الوطن المحتل أو خارجه وفي مخيمات الشتات.
خطوة جريئة وفي مكانها الصحيح رغم ان البعض يذهب بعيداً في تحليلاته وفي توقعاته وفي قراءته التي قد يكون بعضها مبني على الرفض المسبق لأي خطوة تقوم بها القيادة الفلسطينية وربما هناك بعض التحفظات المتخوفة نظراً لأن هذه الخطوة أتت في مرحلة دقيقة وحساسة وفي هذه الايام العصيبة التي تشهد فيها القضية الفلسطينية مخاضا جديداً ومنعطفاً حساساً, وهنا لا أدري أين الصواب في تلك الأصوات التي تشكك وتتهم وحتى أتى البعض الى رفض قرار شطب الديانة من البطاقة الشخصية وأنا لا أجد مبرراً لهؤلاء خاصة وأن بعض الشعوب تطمح لأن ترتقي قيادتها لهذا المستوى من المسؤولية تجاهها كون المواطنة الحقيقية هي الاساس وان المواطن متساو في الحقوق والواجبات دون تمييز وعلى اي اساس كان, لهذا فإنني أرى أن هذا القرار هو قرار مسؤول وقرار وطني بامتياز يحق لنا أن نفخر به وأن ندعو الشعوب التي لا تزال تحتفظ بهذه التفرقة أن تحذوا حذونا وان تقوم بشطبها من أوراقها الرسمية ليكن الوطن للجميع, أرضاً وشعباً وهوية .