في اجتماع كتلة الليكود قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو يوم الاثنين الماضي، "إنه ناقش عملية ضم المستعمرات في الضفة مع الرئيس ترامب، وأنه على تواصل مع الإدارة الأميركية بهذا الشأن". الأمر الذي استفز البيت الأبيض، ودفع الناطق الرسمي باسم الإدارة الأميركية جوش رفائيل، ورجل كوشنير المقرب، صهر الرئيس الأميركي إلى إصدار بيان رسمي، لم ينفِ فيه أقوال بيبي، بل كذبه، وقال أن الإدارة لا علم لها بما ذكره رئيس الائتلاف الحاكم في إسرائيل.

المفارقة أن الإدارة الأميركية تعتبر الحليف الإستراتيجي الأقرب لإسرائيل، هي التي كذبت نتنياهو. وهي من المرات القليلة التي تكذب فيها الولايات المتحدة زعماء العالم. لا سيما وأن مفهوم "الكذب" عادة لا يستخدم في العلاقات بين الدول، ويتم استخدام مفاهيم ومصطلحات أكثر دبلوماسية كالنفي أو مطالبة هذا الزعيم أو ذاك المصدر الرسمي بتصويب ما قاله، ومع ذلك كذبت إدارة ترامب بيبان رسمي رئيس الحكومة الإسرائيلية، ولم تمرر له تزويره للحقائق، كونه أعتقد بحكم العلاقة الحميمة التي تربطه بالرئيس الأميركي، بإمكانية القفز عن التصريح، وغض النظر عنه، غير أن البيت الأبيض لجأ لتعرية أقوال زعيم الليكود.

كما أن المُلفت للنظر، أن زعماء الإدارات الأميركية السابقين لم يلجأوا لاستخدام مفاهيم حادة وجارحة لقادة إسرائيل، وإن كانوا يستخدمون ذلك داخل الغرف المغلقة في أوساطهم أو مع حلفائهم. كما حصل بين الرئيسين بارك أوباما ونيكولاي سركوزي، الرئيس الفرنسي الأسبق، عندما قال الأخير للرئيس الأميركي "إنني لا احتمل نتنياهو، لأنه كذاب"، فرد أوباما "رغم ذلك أنا مضطر للتعامل معه يوميًا". وكان الميكرفون مفتوحًا مما سمح للصحفيين آنذاك الاستماع للحوار الثنائي بين الرئيسين ونشر الحوار.

ولا يبدو أن تكذيب البيت الأبيض لنتنياهو، سبب إحراجًا له أو كب عليه ماءاً بارداً، كما اعتقد بعض المراقبين الإسرائيليين، لأن الكذب مهنته؛ وكونه لا يتورع عن اللجوء له لتبرير وتمرير سياساته الاستعمارية؛ وللحفاظ على مقعده في رئاسة الحكومة؛ ونتيجة غروره وإدعائه المفرط في قوة علاقاته مع زعماء العالم؛ وتأثير نفوذه عليهم في تحقيق إنجازات لصالح إسرائيل؛ وللجم أقرانه في الائتلاف الحاكم، باعتباره الأكثر قدرة على تعميم وتمرير الرؤية الإسرائيلية في أوساط العالم.

هو رجل تطارده عمليات الفساد على مدار الساعة، ورغم وجود قرائن دامغة على تورطه بالفساد في القضايا 1000و2000و3000، ومسكون بالعظمة والنرجسية والغرور لا يتورع عن اللجوء للكذب لتضخيم دوره ومكانته كزعيم غير مسبوق في إسرائيل، حتى أنه يسعى من خلال حفاظه على مقعده في رئاسة الحكومة أطول فترة ممكنة، ليقول للإسرائيليين، أنه الزعيم الأكثر حضوراً، أو الملك الإسرائيلي الذي لا ينازع، وهو الأهم من رئيس الوزراء الأول لإسرائيل بن غوريون، ومن زعيم الليكود الأول مناحيم بيغن.

ورغم تكذيب الإدارة الأميركية لنتنياهو، إلا أن تكذيبها له، لا يعني أنها تخلت عن دعمها وتساوقها مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وأنها باتت وسيطًا نزيهًا لعملية السَّلام. لأن التكذيب هنا لم يحمل أي دلالة إيجابية سوى الرفض لما قاله نتنياهو، وكون الرجل الطاووس القاطن في البيت الأبيض لا يقبل أن ينافسه أحد على ذلك، وهو الأصل، ونتنياهو هو الصورة المسخ، وبالتالي محاولات الرئيس ترامب وأركان إدارته في الإيحاء بأنهم الأقدر على لعب دور الوسيط، لم تعد تنطلي على القيادة الفلسطينية، لأن ما أدلى به ترامب لصحيفة "يسرائيل هيوم" خير دليل على ذلك، عندما ادعى الرئيس الأميركي "بأن الفلسطينيين ليسوا جاهزين للسلام"، فهذا كاف ليؤكد أنه يقلب الحقائق رأساً على عقب، ويفضح انحيازه الكامل لدولة الاستعمار الإسرائيلية، لا سيما وأن الفلسطينيين قدموا مسبقًا كل استحقاقات عملية السلام، وأبدوا الاستعداد، ومازالوا يبدون الاستعداد للمضي قدما لتحقيق التسوية السياسية وفق مرجعيات عملية السلام، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة.