لا يخفى على مستخدمي جهاز "الكومبيوتر"، أنَّ هذا الجهاز "الحديدي" يحتاج إلى صيانة من فترة لأخرى حتى يستمر في أداء المهام المطلوبة منه.

أسمحُ لنفسي في هذه السطور أن أشبّه التنظيمات الثورية أو حركات التحرر بجهاز الكومبيوتر، لما بينهما من تشابه في عدد من الأمور. فالكومبيوتر كما التنظيم مطالَبٌ بالقيام بعمليات معقّدة جدًا تتطلّب التنسيق بين جميع أجزائه، وفي حال قصرت قطعة منه بأداء واجباتها، لن تتمكّن باقي الأجزاء من إتمام المهمة، فالكل يعمل بشكل مترابط لأجل الكل. ولم تكن يومًا التعقيدات في ترابط أجزاء الكومبيوتر سلبية المردود، بل على العكس تمامًا فإنّ تشابك العلاقة بين هذه الأجزاء يعطي ضمانة للعمل بالشكل الأمثل.

أمَّا بالنسبة للبرمجيات، فالكومبيوتر ينهض ببرنامج رئيسي تنبثق منه كافة البرامج الفرعية، كما التنظيم الذي يقوم على أساس نظامه الداخلي وينبثق منه البرنامج السياسي والأهداف والواجبات والحقوق والمهام والقوانين. فلا يمكن للكومبيوتر الاستمرار دون برنامجه الرئيسي "windows" كذلك التنظيم يزول ويفنى من دون نظامه الأساسي.

وإذا ما تعرَّض البرنامج الرئيسي للكومبيوتر للاختراق من قِبَل برامج القرصنة أو الفيروسات المضرة (وما أكثرها) فلا بد من وجود مضاد قوي وحديث لردعها أو إزالتها أو الحد من خطورتها، لذلك يعتبر الانتماء التنظيمي وتفضيل المصلحة التنظيمية العليا على المصالح الشخصية الضيقة أقوى أنواع المضادات القادرة على مكافحة كافة البرامج غير الوطنية والطفيليات الانتهازية وبرامج الفساد الشخصي التي تحاول أن تنخر الأطر التنظيمية.

نأتي الآن إلى الجزء الأخطر، وهو أنه بعد عمل الكومبيوتر لفترة من الزمن يحتاج إلى تحديث مستمر في برامجه ليتسنى لها مواجهة التحديات المستجدة، والمتمثلة بأساليب القرصنة الجديدة أو عدم قدرة البرامج القديمة على التماشي مع متطلبات الوقت الحالي، وهنا أشبه التحديثات بدمج الشباب في الأطر التنظيمية لتستمر بنفس الكفاءة العالية ليستمر في مواجهة تحديات العصر. فلا استمرار لجهاز الكومبيوتر إذا لم تحدث برامجه، ولا استمرار لتنظيم إذا لم يتم دمج الشباب بشكل تدريجي ومدروس في أطره.

أخيرا وهو الأصعب، الـ" format"، عندما لا تعود البرامج داخل الجهاز قادرة على أداء المهام بفاعلية، أو عندما تكثر الأخطاء، نعمد إلى القيام بعملية الـ "format" للأجهزة، وهي تتمثل بمسح البرنامج الرئيسي وإزالة كافة الملفات "مع الاحتفاظ بالملفات المهمة على ذاكرة خارجية"، ومن ثم إعادة تنصيب البرنامج الرئيسي من جديد مع بعض التعديلات ببعض البرامج الفرعية وإزالة البرامج التالفة، أو تلك التي لم تعد قادرة على أداء مهامها وأصبحت عبئا على الجهاز.فالمؤتمرات التنظيمية شبيهة إلى حد بعيد بعملية الـ "format" لكنها تفوقت على الكومبيوتر بجعل المؤتمرات دورية حتى إذا دخلت فيروسات خبيثة إلى جسم التنظيم يتم التخلص منها بشكل دوري. وكذلك يفترض أن يتم خلالها محاسبة المقصرين ومكافأة المجتهدين وإزالة العقبات وإدماج عناصر جديدة متماشية مع التحديات المستجدة، ومواكبة لتطورات الوضع العام.

لكي تتضح الصورة ويكون الهدف من وراء الكلمات جليًّا: إنَّ التحديثات في الكومبيوتر (الفئة الشابة) لا قيمة لها بدون وجود البرامج الأصلية ( الأكبر سنا) و في الوقت نفسه هذه البرامج الأصلية (الأكبر سنًّا) تصبح بدون قيمة إذا لم تقم بالتحديثات اللازمة (الشباب أصحاب الكفاءة والانتماء).

وبالتالي، فخلاصة القول: "الجيل القديم والشباب مكملان لبعضهما البعض، فلا يجوز تغييب أحدهما".

بقلم: محمود عبّاس "أبو ياسر"