رام الله لا تؤمن باعلان الدولة
معاريف- عميت كوهين:6/9
(المضمون: في رام الله الناس غير متفائلين بما سيحصل جراء التوجه الى الامم المتحدة لنيل الاعتراف ولا يعتقدون أن شيئا سينشأ حقا على الارض ولا يؤيدون اثارة أي مشاكل او انتفاضات جديدة في حالة فشل الخطوة).
في مركز ساحة واسعة امام طريح ياسر عرفات في رام الله، يرفع علم كبير لفلسطين. في محيطه، في دائرة أوسع، رفعت أعلام دول مختلفة. ويدور الحديث عن عرض يفترض أن يجسد نفسه: كل علم يرمز الى دولة اخرى اعترفت بالدولة الفلسطينية وستصوت لها في الجمعية العمومية للامم المتحدة بعد اسبوعين بالضبط. وحسب أفراد الشرطة الفلسطينيين قرب النطاق، فانه عندما يهبط ابو مازن في نيويورك سيجرى في المكان احتفال كبير للاعتراف بالاسرة الدولية بتأييدها الواسع.
غير بعيد من هناك، في الطريق الى ميدان المنارة علقت يافطات كبيرة لحملة "فلسطين تستحق عضوية كاملة في الامم المتحدة". وقد اختار المصممون الوان الازرق والابيض، التي تذكرنا بشعار الامم المتحدة. "نتوجه الى الامم المتحدة كي نحقق مقعدا بايدينا"، كما ورد باللغة العربية.
إذن توجد أعلام في الشوارع، توجد يافطات واعلانات تجذب النظر، ولكن هنا الى هذا الحد أو ذاك تنتهي اجواء الاحتفال ويبدأ عدوها الاكبر – اللامبالاة. هذا يبدأ من صفحة الفيس بوك – ذات الفيس بوك الشهير بقدرته على تحريك الاحتجاج الجماهيري. بقي مقفرا واذا كانت الشبكة الاجتماعية أصبحت "مقياسا للثورات" في العالم العربي، فان الجهد الدبلوماسي الفلسطيني لا ينجح في اثارة الاهتمام في الشارع. وبالفعل، قبل اسبوعين من التوجه الى الامم المتحدة يظهر الشارع في رام الله عدم ثقة تامة بخطوة ابو مازن وآثارها. "ماذا يهم اذا اعترفوا بنا أم لم يعترفوا"، يقول مروان، موظف في بنك فلسطين. ويسند نفسه الى حائط البنك الخارجي، يلبس بدلة، مع سيجارة في اليد وعدم رغبة بارزة في الحديث في السياسة. "في اليوم التالي، يكون الاحتلال لا يزال هنا".
القيادة الفلسطينية على وعي، بالطبع، بان الواقع لن يتغير بين ليلة وضحاها. ومع ذلك فانها مفعمة بالثقة لانه اذا اعترف بفلسطين كعضو في الامم المتحدة، سواء كان كدولة أو ككيان سياسي، فان الامر سيغير بشكل جوهري المكانة القانونية لاسرائيل كدولة احتلال. وبالتوازي يدعون بان الخطوة لا ترمي الى استخدام رافعات ضغط على اسرائيل بل فقط "تعزيز خيار المفاوضات". "يقال اننا نريد عزل اسرائيل"، قال أمس رئيس السلطة الفلسطينية ابو مازن، "هذا ليس صحيحا. نحن نريد أن نعيش مع اسرائيل لا ان نعزلها. يقال اننا نريد اجراء نزع شرعية لها. كيف بالضبط سنفعل ذلك؟ نحن معنيون بحل الدولتين. نحن شجعنا دولا عربية واسلامية على الاعتراف باسرائيل، في اطار المبادرة العربية".
أبو مازن قال ذلك في اثناء لقاء مع مجموعة من المثقفين الاسرائيليين في مكتبه في المقاطعة. ووصل اعضاء المجموعة للاعراب عن تأييد الدولة الفلسطينية ودعوا اوروبا والولايات المتحدة الى التصويت الى جانبها. ابو مازن، بالطبع، عقب برضى. "سمعنا الاسرائيليين يدعون بان هذه خطوة احادية الجانب"، قال، "لا اعتقد اننا عندما نتوجه الى 190 دولة تكون هذه خطوة احادية الجانب. نحن نتوجه الى الامم المتحدة كي نشكو من أننا تحت الاحتلال. نحن الشعب الوحيد في العالم دون استقلال أو تقرير مصير".
في اثناء اللقاء عاد ابو مازن ليروي لمحادثيه الاسرائيليين بان المفاوضات هي الخيار الاول، الثاني والثالث للفلسطينيين. "نحن نعرف اننا لا يمكننا ان نحل كل المشاكل في الامم المتحدة أو في مكان آخر"، قال ابو مازن، "يجب الجلوس والحديث في المواضيع الجوهرية وفي انهاء النزاع. لشدة الاسف، لم ننجح، رغم أننا حاولنا مرات عديدة".
المهم الراتب
لشدة المفاجأة، في رام الله ايضا يمكن ايجاد من يعتقد أن ابو مازن متسرع أكثر مما ينبغي. "عليه أن يجلس مع نتنياهو"، يقول الصراف، محمود سامي، وهو يمسك برزمة أوراق نقدية سميكة. "اولا يجب اجراء مفاوضات مع اسرائيل. إذ ماذا يجدي ما يقولونه في الامم المتحدة؟ اسرائيل توجد على الارض". سامي، كما يبدو، تقلقه اساسا الاثار الاقتصادية. وهو يقول: "اذا توجهنا الى الامم المتحدة، فان اسرائيل والولايات المتحدة ستفرض علينا عقوبات. نحن نعيش على التبرعات. فماذا سنفعل عندها؟ نحن نريد الاستقرار. نريد الرواتب. الناس هنا راضون الان".
منذ سنتين وميدان المنارة يعج بالحياة، طرقه مليئة بالسيارات ومحلاته التجارية مليئة بالشارين. على مسافة غير بعيدة من الميدان الشهير لرام الله، اقيم "معرض المنارة" – جملة من البسطات التي تعرض ملابس، احذية والعاب. "في رام الله يوجد ازدهار اقتصادي"، يقول ثائر، ابن 25، المسؤول عن المعرض. "ولكن الوضع ليس هكذا في كل مكان. في نهاية الامر، هذا ما يهم الناس. انا اريد أن اشتري شقة وأن اتزوج. هذا ما يعنيني". اذا فشلت المبادرة الفلسطينية، فان ثائر يقدر بان من المتوقع حدوث مشاكل. ولكن خلافا للتوقعات السوداء في اسرائيل، فانه لا يؤمن بان الجماهير ستخرج للتظاهر ضد الحواجز والمستوطنات. "انا اعتقد انه لن تكون مشاكل مع اليهود، بل مع السلطة الفلسطينية"، يقول، "على مدى سنة وعدونا بان تكون دولة. كل الشعب ينتظر 20 أيلول. اذا لم يحصل هذا، ستكون خيبة أمل كبيرة وستكون لها آثار".
الصراف محمود هو الاخر يقدر بان الهدوء سيبقى. "لا أحد هنا سيخرج للتظاهر"، يقول، "الناس تعبون، ويحتاجون الى الراحة. الانتفاضة جلبت علينا الخراب. اسرائيل هي دولة قوية ويمكنها أن تحتمل. من سيتضرر هو نحن. يكفي ان تكون عملية واحدة، وكل شيء سيعود الى الوراء. نحن لا نريد هذا، لا نريد انتفاضة".
"سنمنع أعمال ارهابية"
بالمناسبة، ابو مازن نفسه قال ذات الامور في لقاء أمس. "مهما كانت النتائج في الامم المتحدة، فان وضع الامن سيستمر"، وعد، "سنمنع أعمال الارهاب من كل نوع. لن نطرح شروطا في هذا الموضوع. طالما أنا في المنصب، الامن سيستتب. يوم السبت التقيت مع قيادة فتح وقلت لهم أن الامن هام لحياتنا ولجيراننا. الان، مثلا، لا توجد مفاوضات او محادثات. لا يوجد بيننا وبين حكومة اسرائيل أي شيء، باستثناء شيء واحد – باستثناء التعاون الامني".
ومع ذلك، رغم التصميم في التوجه الى مجلس الامن، يعرف ابو مازن ورجاله جيدا بان فيتو أمريكي سيستخدم ضد طلبهم ويشطبه في مهده. اذا توجه الفلسطينيون الى الجمعية العمومية للامم المتحدة في محاولة لتجاوز الادارة الامريكية يوجد احتمال حقيقي في أن يقطع الكونغرس المساعدات الخارجية للسلطة الفلسطينية".
ولكن رغم أنه في عيون اسرائيلية يمكن التفكير بان القيادة الفلسطينية تسلقت الى شجرة، ينبغي الاخذ بالحسبان بان الفلسطينيين اختاروا، على وعي، مسار المواجهة مع الولايات المتحدة ومع جزء من الدول الاوروبية. في الاونة الاخيرة رفض الفلسطينيون مساعي اللحظة الاخيرة، من جانب رجال ادارة اوباما، في محاولة لاستئناف المفاوضات. يكفي الانصات الى ما قاله مؤخرا مسؤول فتح الكبير نبيل شعث، أحد قادة المساعي الدبلوماسية كي نفهم بان الفلسطينيين لا يخشون من عرض الامريكيين كوسيط متحيز. "لا توجد ذرة احتمال في أن نصل الى اتفاق على استئناف المفاوضات"، قال شعث لوكالة "معا" الفلسطينية، "الاقتراح الامريكي الاخير يعطي شرعية للمستوطنات".
ابو مازن، من جهته، تراجع قليلا عن تصريحاته السابقة حول الاعتزال الفوري. وقال: "سأكون صبورا ولكن ليس الى الابد. قضيت كل حياتي في محاولة لتحقيق شيء لشعبي. اذا رأيت ان كل الامكانيات مغلقة، والحكومة الحالية في اسرائيل لا تعطينا شيئا، أخشى ان اضطر الى القول لم اعد استطيع تحقيق ما وعدت به، وعندها سأعتزل. في هذه الاثناء يوجد لدي صبر. اريد وآمل أن ارى السلام يأتي في حياتي".
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها