لن تكونَ للرئيس الأميركي دونالد ترامب، أيّة صفقة يعقِدها لإقرار السلام في الشرق الأوسط، إذا ما ذهب إلى مذهب اليمين الإسرائيلي المتطرِّف، وقال باعترافٍ غير قانونيٍّ بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال، أبعد من ذلك لن يكون له أبداً حضور الوسيط، لا النزيه ولا غيره، وهو يُسجِّل إذا ما أقدم على هذا القول، سابقةً سياسيّةً خطيرة في انتهاك القانون الدولي، الذي ما زال يضعُ القدس موضعَ التفاوضِ، بوصفها مدينةً محتلّةً، وبالقطع لا نريد للرئيس ترامب ذلك، بل ونتطلَّع دائمًا إلى التوازن الخلّاق أن يتحقَّق في موقف الولايات المتحدة، تجاه الصراع في هذه المنطقة، لتنتعش عملية السلام من جديد حتى تمضي نحو تحقيق أهدافها النبيلة، في تحقيق الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، حين تسترد فلسطين حقوقها المشروعة، وتقيم دولتها المستقلّة بعاصمتها القدس الشرقية.
وتعرف الولايات المتحدة، وتمامًا مثلما قال مستشار الرئيس الأميركي ومبعوثه للشرق الأوسط جاريد كوشنير، خلال خطابه قبل يومين في منتدى سابان "إنَّ حلَّ القضية الفلسطينية هو مفتاح الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط"، لكن أيُّ حلٍّ هو الممكن ليُحقِّق هذا الاستقرار، إذا لم يكن هو الحل العادل؟؟ والحل العادل لا يؤسَّس على الانحياز العنيف لصالح الاحتلال، في الوقت الذي عليه أن يلتزم بقرارات الشرعية الدولية جميعها التي قالت بعدم جواز إحداث أي تغيير في وضع مدينة القدس من جهة، ومن جهة ثانية في إدانة الاستيطان على نحو بالغ الوضوح في القرار رقم 2334، ومن جهة ثالثة أكَّدت هذا القرارات وما زالت تؤكِّد ضرورة عملية السلام لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط، وقد أعطت لفلسطين مقعد دولتها في الأمم المتحدة، وإن كان حتى الآن بصفة مراقب، لكنها الدولة التي باتت حاضرة في خطابات الضمير الأخلاقية، وخطابات الواقعية السياسية، الإقليمية والدولية معاً، بل وحاضرة في اعترافات كاملة من دول وبرلمانات دول عديدة، ومؤسسات دولية باتت فلسطين فيها بعضوية كاملة.
نعم فرص السلام اليوم في مواجهة خطر التدمير الشامل، إذا ما أقدمت الولايات المتحدة على انتهاك القانون الدولي، وضربت عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية، إذا ما قالت بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي..!! القول الذي لا يحق لها طبقًا للشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، في الوقت الذي لا يجوز لها من الناحيتين الأخلاقية والسياسية، أن تقوله بوصفها دولة عظمى معنية بسلام العالم واستقراره!!
وتدمير فرص السلام لا يعني غير فتح أبواب جهنم في هذه المنطقة، لإشاعة الإرهاب فيها أكثر ممَّا هو الآن، وهذا ما لا يحقِّق مصالح لأحد فيها، خاصة الولايات المتحدة، وليس في هذا التحذير من هذا الخطر الجسيم تهديدٌ لأيِّ جهة كانت، ولا بأي حال من الأحوال، بل إنَّ هذا التحذير ليس إلا قول المسؤولية الإنسانية والحضارية قبل كلِّ شيء، القول الذي ترى فلسطين الدولة، وعلى لسان رئيسها، الرئيس أبو مازن، ضرورة تعميمه في اللحظة الراهنة، والتمعّن فيه، بقراءة موضوعية ومسؤولة، قبل أن تقع الواقعة، ويحدث ما لا تحمد عقباه.
وما لا تحمد عقباه خطير، وخطير جداً، فهل تدرك الولايات المتحدة ذلك قبل فوات الأوان؟! بل إنَّه من الضروري أن تدرك ذلك إذا كانت معنيّة حقًّا بإقرار السلام في الشرق الأوسط، وبالقطع لا سلام في الشرق الأوسط غير السلام الذي تنشده فلسطين، لأنَّه السلام الذي تريده للعالم أجمع، من أجل الأمن والاستقرار المثمر الذي يؤمِّن التبادل النزيه للمصالح المشروعة، سلام الحق والعدل والكرامة، سلام التسامح والتعايش الخلاق بين الشعوب والأمم، سلام القدس عاصمة السلام، بفلسطينيتها الأصيلة، وعروبتها الراسخة، مثلما هي عبر التاريخ، وكما هي رسالة العلي القدير للبشرية جمعاء، إذ هي رسالة تعايش وتسامح وإيمان ومحبة، وهذه هي رسالة السلام. رسالة القدس.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها