في الخامس عشر من نوفمبر 1988 أعلن الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني وثيقة إعلان الاستقلال من الجزائر العاصمة، تلك الوثيقة التي ما زالت تمثل بوصلة الكفاح الوطني التحرري للشعب العربي الفلسطيني، وعلى إثر ذلك اعترفت مباشرة 105 دول بالدولة الفلسطينية، وبلغ حتى الآن عدد الدول المعترفة بها 138، وهي بالضرورة في تزايد نتيجة اقتناع العالم بضرورة استقلال دولة فلسطين استقلالاً ناجزاً وتاماً بعد انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي وقطعان المستعمرين عن كل الأرض المحتلة في الخامس من حزيران 1967 وفي مقدمتها القدس الشرقية العاصمة الفلسطينية الأبدية.

ولا مجال للحديث عن استقلال الدولة الفلسطينية دون الانسحاب الإسرائيلي التام عن القدس العاصمة الأبدية، وبالربط الجغرافي والإداري والسياسي بين جناحي الوطن الفلسطيني بشكل كامل دون تحريف أو نقصان، لأنه أيضاً لا يمكن الحديث عن الدولة المستقلة وذات السيادة دون قطاع غزة، الذي يشكل العمق والامتداد الطبيعي للدولة الموجودة والقائمة بالأرض والشعب والمؤسسات الحكومية. وكما قال الرئيس عباس "لا دولة في غزة ولا دولة فلسطينية دون غزة." وبالتالي أي مشاريع سياسية للحل لا تأخذ بعين الاعتبار الأهداف الوطنية الواضحة والمحددة لا يمكن أن ترى النور.

ومن يحاول العودة لقرار التقسيم الأممي 181 الصادر في ال29 من نوفمبر 1947، الذي نص على أن تكون القدس إقليماً دولياً لا يتبع للدولتين الإسرائيلية والفلسطينية العربية، نسي أن القرار الأممي أعطى الدولة الفلسطينية مساحة قرابة ال43% من مساحة فلسطين التاريخية، وعلى أولئك أن يطبقوا قرار التقسيم آنف الذكر، إن كانوا يريدوا اختزال القدس من حدود الدولة الفلسطينية. الآن القيادة والشعب الفلسطيني تقبل تقريباً بنصف ما تضمنه القرار الدولي، وهو ما يعني انه لا مجال لتقديم أية تنازلات عن المساحة المقبولة من قبل الشعب وقيادة منظمة التحرير، وهي الأراضي المحتلة في الخامس من حزيران عام 1967 وتقدر ب22% من مساحة فلسطين التاريخية. وساذج سياسياً من يعتقد أن القيادة الشرعية يمكن أن تتنازل عن شبر من هذه الأرض. وهو ما نصت عليه قرارات الشرعية الدولية كافة بدءاً من القرار 242 و338 و1515 و1397 وآخرها القرار الأممي 2334 الصادر نهاية العام الماضي بالإضافة لخطة خارطة الطريق الأميركية ومؤتمر انابلوس وقرارات اليونيسكو المتعاقبة.

وعلى العالم أن ينتبه جيداً لألاعيب وخزعبلات دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، التي لا تؤمن بالسلام من حيث المبدأ، وتعمل بشكل حثيث على تأبيد خيار الاستيطان الاستعماري على فلسطين التاريخية. لأن أي تساوق مع الرؤية الاستعمارية الإسرائيلية من قبل أي قوة أو قطب دولي سيهدد السلم والأمن الإقليمي والعالمي على حد سواء. وهو ما يحتم على إدارة ترامب وفريقها المكلف بالملف الفلسطيني الإسرائيلي وهو يقوم بصياغة محددات الصفقة التاريخية أن يقف جيداً على نبض القيادة والشعب العربي الفلسطيني ومبادرة السلام العربية، وعدم الوقوع في متاهة العبث الإسرائيلي، التي تقول "لا بد من تقديم تنازلات متبادلة جديدة"، لأن الفلسطينيين قدموا كل التنازلات المطلوبة منهم سلفاً، ولم يعد لديهم ما يقدمونه من جديد. وإلا فالذهاب إلى حل الدولة الواحدة، والنضال من اجل المساواة الكاملة لمواطنيها، مع إعادة نظر كاملة في كل مركبات الدولة السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. لان الفلسطينيين، الذين الآن يتساوي عددهم مع عدد الإسرائيليين اليهود إن لم يكن أكثر قليلاً، لن يقبلوا بدولة الأبرتهايد. وعلى العالم وقبلهم قادة إسرائيل الاستعماريين أن يختاروا أي مستقبل يريدون.

لذا مازالت القيادة الشرعية تعمل من اجل ضمان استقلال دولة فلسطين الموجودة على الأرض على حدود الرابع من حزيران عام 1967، لاسيما وان دولة إسرائيل قائمة ومستقلة وتمارس الاحتلال منذ خمسين عاماً لأراضي الدولة الفلسطينية. فهل يستجيب العالم بمناسبة إعلان وثيقة الاستقلال في 1988 إلى صوت العقل والسلام الفلسطيني، أم يبقى صامتاً وبالتالي متواطئاً مع خيار إسرائيل الاستعماري؟.