تداولت وسائل الإعلام زيارة الرئيس محمود عبّاس للسعودية، كونه لم يعلن عنها سابقاً. البعض قال إنَّ "الرئيس الفلسطيني استُدعيَ على عجل من قِبَل الملك سلمان"، والبعض الآخر تساءل ما علاقة الزيارة بالتطورات التي شهدتها الساحة اللبنانية وداخل العائلة المالكة في المملكة. والحقيقة أنَّ الزيارة لا علاقة لها بكل ما قيل لا من قريب ولا من بعيد، لأنَّ ترتيباتها كانت سابقة على كلّ التطورات، حيثُ كان هناك تواصلٌ بين القيادتَين الفلسطينية والسعودية للإعداد للقاء المشترك بعد التطورات التي شهدتها الساحة الفلسطينية في ملف المصالحة، وذلك للتشاور الثنائي بشأن مجمل الملفات الفلسطينية والعربية. بتعبير آخر لم تكن الزيارة مفاجئة، ولا هي خارج برنامج عمل الرئيس أبو مازن، بل هي مُدرَجة، وكان يجري الإعداد لها بهدوء، وعندما سمحت الظروف لتجسيدها تمَّت.

وبحكم العلاقات المتميِّزة بين القيادتَين الفلسطينية والسعودية، والاتفاق القائم بينها على التشاور الدائم حول مختلف القضايا والملفات، فإنَّ الزيارة تأتي في وقتها وزمانها الطبيعي والمنطقي. ومن البديهي أن يقوم الرئيس عبّاس بوضع الأشقاء في قيادة المملكة في آخر التطورات الجارية في ملفي المصالحة والتسوية السياسية، لاسيما أنَّ لخادم الحرمين الشريفين سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، وبالتالي للمملكة، دوراً مركزياً في الساحة العربية والإقليمية والعالمية، كما أنَّها تُولي أهمية خاصّةً للمسألة الفلسطينية في كل تحركاتها السياسية، لأنَّها تعتبر القضية الفلسطينية قضيةً محوريّةً بالنسبة لها، فضلاً عن أنَّها قضية العرب المركزية.

وتزداد أهمية الزيارة في ضوء التطورات المتسارعة على أكثر من مستوى وصعيد في الوطن العربي والإقليم عموماً، حيث تسمح للقيادة الفلسطينية الوقوف على آخر التطورات من القيادة السعودية المعنية مباشرة بالملفات الساخنة في المنطقة، وتمكنها من سبر أغوار المجهول منها، وتسمح لها المساهمة مع الأشقاء السعوديين في رسم التوجهات المشتركة بين البلدين الشقيقين تجاه مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك. أضف إلى إعادة تأكيد الرئيس أبو مازن على ضرورة وضع السعودية ثقلها السياسي والاقتصادي والأمني مع حلفائها الدوليين وخاصّةً إدارة الرئيس ترامب لبلورة رؤيتها للصفقة التاريخية المنتظرة، وتحفيز الملك سلمان وولي عهده محمد باستخدام نفوذهما مع مراكز السياسة العالمية للضغط على (إسرائيل) لإلزامها بوقف الاستيطان الاستعماري في أراضي دولة فلسطين المحتلة عام 1967. كما وتكمن أهميتها في أنها جاءت بعد زيارة الرئيس عبّاس للشقيقة الكبرى ولقاء الرئيس عبدالفتاح السيسي، التي لها "مصر"حضور مركزي على المستويين العربي والفلسطيني كونها الراعي الأساسي لعملية المصالحة الوطنية، وهو ما يعطي أهمية خاصة للتنسيق مع القيادتين المصرية والسعودية بشأن مختلف المسائل الثنائية والعربية عموماً.

ولمن يخشى على السياسة الفلسطينية، يمكن الجزم بأنَّ الرئيس أبو مازن يُدرك جيّداً ما له وما عليه تجاه العرب، وما على الأشقاء العرب من دور ومهام تجاه قضية العرب المركزية، فضلاً عن وجود ناظم ثابت في السياسة الفلسطينية عنوانه "عدم التدخُّل في الشؤون الداخلية للدول العربية" إلا بمقدار ما يمس القضية الفلسطينية واستقلالية القرار الوطني. وبالتالي لا خشية أبداً على وجود الخشية من أصله.

إذًا زيارة الرئيس أبو مازن للسعودية، تندرج في نطاق الزيارات الهامة على المستويات الوطنية والقومية. وتُسهِم في تعزيز مكانة القيادة الشرعية والقضية الفلسطينية، وتدلِّل على الأهمية المحورية لقيادة الشعب الفلسطيني في خارطة العلاقات العربية العربية، كونها جزء لا يتجزأ من محور الاعتدال العربي الذي تقوده المملكة السعودية، وترد مباشرة على بعض القوى التي تحاول الخروج أو تجاوز الموقع الرسمي للقيادة والشعب الفلسطيني في المعادلات الإقليمية.