خمسة وثلاثون عاما مرت على مجزرة صبرا وشاتيلا، التي إستشهد فيها قرابة خمسة الآف فلسطيني في أعقاب الإجتياح الإسرائيلي للبنان العربي وعاصمته بيروت، الذي إستمر 88 يوما، وإغتيال زعيم ميليشات القوات اللبنانية الإنعزالية، بشير الجميل في 14 سبتمبر عشية المجزرة، الذي تواطىء على رؤوس الأشهاد مع اريئيل شارون، وزير الحرب الإسرائيلي آنذاك، وإنتخب رئيسا للبنان تحت الحراب الإسرائيلية والدعم الأميركي والصمت العربي الرسمي.

همجية مروعة أفلتها فاشيو إسرائيل ولبنان ضد الأبرياء العزل من الفلسطينيين في مخيمي صبرا وشاتيلا، فبقروا بطون النساء والحوامل بشكل خاص والأطفال والشيوخ والعجائز والشباب، لم يتركوا شيئا يتحرك إلآ وأطلقوا عليه قنابل الموت والرصاص. عاثوا خرابا كالبوم في المخيمات، والقوا بسمومهم ووحشيتهم على الإنسان الفلسطيني، رغم ان إتفاق منظمة التحرير مع فيليب حبيب، ممثل الإدارة الأميركية آنذاك وبمعرفة وموافقة الحكومة اللبنانية برئاسة شفيق الوزان، وكذلك موافقة حكومة بيغن الإستعمارية على عدم التعرض للاجئين الفلسطينيين، وعدم اللجوء لسياسة الإنتقام والغدر، لكن الهزيمة المرة، التي مرغت انف جيش إسرائيل بقيادة وزير الحرب والموت  شارون على مدار ثلاثة اشهر في التراب، وإفشال مخططه بتصفية منظمة التحرير الفلسطينية، رغم إستخدام كل اسلحة الموت الإسرائيلية البحرية والجوية والبرية وكامل قوام جيش الموت الإسرائيلي بتعداد 160 الف جندي ومساعدة حاملة الطائرات الأميركية أيزنهاور لإسرائيل في عرض البحر المتوسط وتحديدا على الشواطىء اللبنانية، مما أفقد القيادة العسكرية الإسرائيلية بقيادة القاتل شارون صوابها، فقامت بتنسيق مجزرتها الوحشية مع القوات اللبنانية وغيرها من القوات الإنعزالية.

هذة المجزرة البربرية الوحشية لم تمت، ولن تموت طالما بقي فلسطينيا واحدا باقيا على قيد الحياة إسوة بالمجازر الهمجية الصهيونية الأخرى من عشرينيات القرن الماضي حتى يوم الدنيا هذا. والشعب الفلسطيني رغم إيمانه العميق بالتسامح والحرص على حماية مكانة أي إنسان بغض النظر عن دينه او لونه او قوميته او جنسه، لكنه لن يغفر، ولن يسامح  أي مجرم او قاتل مارس البطش بحق ابنائه اينما كان، ومهما تقادم الزمن. فلا تقادم في المجازر، ولا غفران للقتلة مهما إستخدموا من ذرائع وحجج للتغطية على مذابحهم الوحشية.

الشعب الفلسطيني الذي ينادي بالسلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، هو صاحب الأرض الفلسطينية العربية التاريخية على مساحة 27009 كيلو متر مربع، هذا الشعب قبل بأقل من النصف من قرار التقسيم الدولي 181 الصادر في 29 نوفمبر 1947، وفي إتفاق اوسلو 1993 إعترفت القيادة الفلسطينية بإسرائيل، ومازالت القيادة الفلسطينية تمد يدها لبناء ركائز السلام والتعايش مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، ولكنها لم تنسى، ولن تنسى من إرتكب أية مجزرة وحشية بحق الفلسطينيين قبل النكبة 1948 وبعدها. وستلاحق مجرمي الحرب اي كانت اسماءهم او مواقعهم او جنسياتهم في المحاكم الدولية المختصة. وهذا لا يتعارض مع التمسك بالتسوية السياسية. لا بل ان الإصرار على ملاحقة القتلة الإسرائيليين والإنعزاليين اللبنانيين وغيرهم يصب في خدمة السلام، وضمان التعايش بين شعوب المنطقة بسلام. لإن مواصلة القتلة حياتهم الموغلة أيديهم في دماء ابناء الشعب الفلسطيني يمنحهم اولا البراءة؛ ثانيا قد يكافؤا بالأوسمة على جرائمهم؛ ثالثا سيكونوا عبئا على المجتمعات التي يعيشوا بين ظهرانيها، لإنهم سيعمموا أنماط سلوكياتهم الإجرامية في اوساط الأجيال الجديدة.

إذاً الملاحقة للقتلة لا تقتصر على الأحياء من الإسرائيليين والإنعزاليين بل الأموات منهم. وهنا لا يجوز القبول بمنطق التقادم او التجاهل او النسيان لدماء من نزفوا بحراب الوحوش الآدمية على اساس الهوية الوطنية. وأية عملية سلام حقيقية لا تجب ولا تسقط حق الأبرياء في القصاص من قتلتهم أمام المحاكم المختصة. وبالتالي مواصلة الدفاع عن حقوق الإنسان بشكل عام وفي فلسطين بشكل خاص تعتبر واجبا وطنيا وإنسانيا في آن. وستبقى ذكرى المجزرة الأليمة ماثلة وحاضرة في الوعي الوطني الجمعي وفاءا للضحايا الأبرياء، وللقصاص لهم من القتلة ذات يوم.