تاريخيا الشعب الفلسطيني وقياداته المتعاقبة رفضوا سياسة الأحلاف، وزادت قناعتهم بذلك مع وجود الأحلاف الإستعمارية (حلف الناتو، حلف بغداد ... إلخ) التي لعبت أدوارا تخريبية ضد مصالح الشعب العليا. ومع تعمق مصائب وويلات نكبة ال1948 بعد إقامة دولة إسرائيل الإستعمارية على أنقاض تشريد وطرد ابناء الشعب الفلسطيني، وسعى الغرب الإستعماري وبتواطؤ مع بعض الزعماء العرب لشطب وتصفية القضية الفلسطينية من الجيوبوليتك العربي والإقليمي، تنامى الشعور في الوعي الشعبي بمقت، ورفض الأحلاف ايٍ كان إسمها او قواها المكونة. ولم يتغير هذا الشعور بعد إنطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة عام 1965، والإعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني 1974، بل زاد وتأصل.
ولم تقبل القيادة الفلسطينية القسمة على أي حلف من الأحلاف المعلنة او السرية في المنطقة. ولكنها عملت بقوة ومثابرة على بناء تحالفات، ومدت جسورها مع كل دول العالم المختلفة لتوطيد العلاقات مع الأشقاء والأصدقاء لدعم القضية الفلسطينية في نضالها ضد الإحتلال الإسرائيلي، وتحقيق الأهداف الوطنية في الحرية والإستقلال وتقرير المصير والعودة. ومن هنا رفعت القيادة الفلسطينية شعارها الناظم لعلاقاتها مع أهل النظام السياسي الرسمي العربي: "عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية!"، ولا تقتصر حدود الشعار عند التدخل من عدمه في الشؤون الداخلية لدولة من الدول الشقيقة، إنما يتضمن عدم التورط في الصراعات الداخلية العربية البينية. وحتى حين تكون منحازة (القيادة) لتيار ما، فإنها تعمل بحذر، وبشكل محسوب جدا. ولكنها ترفض ان تسمي على نفسها، انها جزء من حلف ما ضد حلف آخر. لإن القيادة تعتقد، ان المسؤولية الوطنية تحتم عليها النأي بالقضية الفلسطينية عن اية أحلاف قائمة او قد تقوم.
وهذا ينطبق على دول الإقليم والعالم، بتعبير دقيق لا يمكن لقيادة منظمة التحرير القبول او الإنخراط في اي حلف مهما كان، وأي كانت الدولة او الدول، التي تدعو إليه. لإن قوة القضية الوطنية، يكمن في بقاءها خارج دائرة الأحلاف، وإبتعادها عن التخندق في نطاق هذه المجموعة او تلك من الدول ذات اللون السياسي الواحد، وبمدى حياديتها عن عمليات الإستقطاب والإستحواذ الدائرة بين دول الإقليم. وهذا لا يعني ان القيادة الفلسطينية ساذجة، اولا تفقه ما يجري هنا او هناك من الآعيب سياسية، او ليس لها مواقف سياسية مما يجري في هذه الساحة او تلك. لا، هذا غير صحيح، والعكس صحيح تماما. لإنها قد تكون الأكثر الماما بتفاصيل مدخلات ومخرجات الصراعات والحروب البينية بين الدول. لكنها ليست مضطرة ولا معنية ان تكون جزءا من هذا الحلف او ذاك، كونها تريد للقضية الفلسطينية، ان تكون فوق الأحلاف، وقضية جامعة للدول من مختلف الإتجاهات والمشارب لا العكس. ولإن مصدر قوتها وقوة قضيتها الوطنية، تتمثل في تحشيد تحالف دولي عظيم داعم لحقوقها واهدافها الوطنية، وإستقطاب كل صوت مهما كان صغيرا في اي بقعة من العالم لشد أزرها في مجابهة دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، وإزالة إحتلالها الإجلائي الإحلالي البغيض، وصد إنحياز الولايات المتحدة لها. وبالتالي هناك فرق شاسع بين الحلف والتحالف. الحلف يعني التورط في معارك جانبية مع دولة او دول ضد اخرى. لكن التحالف، يهدف لنسج افضل العلاقات مع الدول والجماعات والقوى، بغض النظر عن تلاوينها ومشاربها وإتجاهاتها السياسية او الدينية او الثقافية او العرقية لصالح دعم الكفاح الوطني التحرري
إذا قوة فلسطين وشعبها وقيادتها يتجسد في البقاء خارج دائرة الأحلاف. وعليه فإن الدول الحريصة على القضية الفلسطينية، عليها مسؤولية تجاهها، إن كانت معنية بدعمها، من خلال إبعادها عن تجاذباتها مع الدول الأخرى في الإقليم والعالم.وتخرجها من حسابات أجنداتها الصغيرة والضيقة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها