لم يكن يوما الحديث عن طبيعة العلاقة بين الشعبين الفلسطيني والأردني، حتى قبل قيام السلطة الوطنية، على أنها علاقة بين شعبين من قطرين مختلفين، وذلك لعديد من الأسباب أهمها الروابط الاجتماعية والنسب التي تغلب على روابط العروبة، والجيرة بين البلدين التي فاقت الأخوة.
إن عمق العلاقة الفلسطينية - الأردنية، التي جاءت زيارة الملك عبد الله الثاني لفلسطين ولقائه مع الرئيس أبو مازن للتأكيد عليها، ليست وليدة اللحظة، بل علاقة تاريخية وإستراتيجية في آن، يدعمها التركيب البنيوي للمجتمعين، كما تدعمها المصلحة المشتركة لإفشال المشروع التهويدي والاستعماري التوسعي لحكومة نتنياهو التي ارتفعت وتيرة جنونها، وفاقت وقاحتها ما سبقها من حكومات، وكذلك للمواجهة بشكل مشترك المشروع التوسعي لدولة الاحتلال المتطلع لقيام إسرائيل الكبرى.
زيارة الملك عبد الله الثاني، وهي الخامسة لبيت الشرعية الفلسطينية، تأتي في ظل ما تواجهه القضية الفلسطينية من تعقيد، ومن ضآلة فرص التوصل لحل سلمي لانهاء الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي، جاءت لتحمل رسالة تزيل أي غبار حاول البعض أن يطيره على العلاقة التاريخية والإستراتيجية بين الشعبين، ولتؤكد على عنوان الشرعية الفلسطينية ووحدانية تمثيلها الشرعي، ورئيسها، ورسالة أخرى لإسرائيل أن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، بل معهم أخوتهم شركاؤهم في الحال والمصير، ولهم عمقهم العربي، رغم كل ما تمر به المنطقة العربية من عدم الاستقرار، وانشغال أنظمتها بقضاياها الداخلية، للتأكيد على أن القضية الفلسطينية ما زالت تحتل مكانة لا تنازع فيها ولا عليها
وبالطبع ثمة انعكاس ايجابي لزيارة الملك عبد الله الثاني لفلسطين، سيعود على المجتمع الأردني الناقم على العنجهية الإسرائيلية، سواء بسبب جرائمه المتواصلة بحق شعبنا الفلسطيني، وآخرها في القدس الشريف والمسجد الأقصى، أو بسبب الجريمة التي نفذها حارس السفارة الإسرائيلي وراح ضحيتها أردنيين، لتكون هذه الزيارة تأكيد على أن التناقض الأردني والفلسطيني واحد، وهو مع الاحتلال الإسرائيلي.
أما التنسيق الجاري بين الشقيقتين فلسطين والأردن فيأتي نتيجة طبيعية تفرضه وحدة الحال بين الشعبين، ووحدة المصير، لمواجهة الاستهداف أو الإضرار، سواء تعلق الأمر بأمن الأردن، أو بمستقبل القضية الفلسطينية وما يحدق بها من أخطار، الأمر الذي يجعل الرئيس أبو مازن على تواصل بل تنسيق دائم في المواقف مع الملك عبد الله الثاني قبل كل جولة يقوم بها، واطلاعه على نتائجها، لمواجهة هذا الصلف والعجرفة من قبل إحتلال لم يقم وزناً لاتفاقات سلام أو تفاهمات، بل بقي يتصرف كأزعر منفلت من عقاله.
إن ما يسعى إليه هذا الجهد المشترك الفلسطيني – الأردني، والذي لم يتوقف لانجاز مشروع الدولة المستقلة، إنما ينبع من الإيمان الراسخ أن كلمة السر لاستقرار المنطقة العربية بل العالم تتمثل بإنهاء الاحتلال وقيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 67، والتخلص من أي أوهام لا زالت ماثلة لدى البعض ، كبديل عنها، كفكرة الوطن البديل، وهذا ما يدفع الملك الأردني لاستخدام علاقاته وحضوره لدى المجتمع الدولي والبيت الأبيض لإحياء الجهود الرامية لتحقيق السلام.
وبعد الزيارة الناجحة للعاهل الأردني وما حملت من رسائل، فان المتوقع أن يرفع الاحتلال أولاً، والمغيوظين ثانياً وتيرة محاولة زرع بذور الفتنة والتشتيت، وإنتاج أفلام أصبحت محروقة، لا تنطلي حتى على الجهلاء، لكن المطمئن أن الحكمة التي تتمتع بها القيادة السياسية في فلسطين والأردن، والوعي للمصلحة المشتركة بالاستقرار للشعبين كفيلان بإفشالها، لأن الحال لفلسطين والأردن واحد.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها