في إطار التداعيات العدوانية الناجمة عن هبة القدس الأخيرة صادقت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قانون لوقف المساعدات الأميركية للسلطة الوطنية، يستهدف الضغط وإبتزاز القيادة الفلسطينية على مواقفها الشجاعة أثناء الهبة، ومنها وقف كل أشكال التعاون والتنسيق مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة ومؤسساتها التنفيذية والتشريعية، ودفعها لركوب موجة العداء لمنظمة التحرير وسلطتها الوطنية.
وهي ليست المرة الأولى، التي تقدم فيها المؤسسة التشريعية على مناصبة الشعب الفلسطيني ومؤسساته الوطنية العداء. وبالتالي لم تكن الخطوة الأميركية مفاجئة، لاسيما وان الإدارة الأميركية توعدت الرئيس ابو مازن والمنظمة والسلطة بتدفيعها ثمن مواقفها الوطنية، لكونها رفضت الإذعان لمشيئة المواقف الأميركية المتساوقة مع حكومة نتنياهو المتطرفة. وكان رد الرئيس عباس على ممثلي الإدارة واضحا وصريحا وقويا، " إلزموا إسرائيل بتفكيك بواباتها الإليكترونية من أمام أبواب المسجد الأقصى، ووقف كل انتهاكاتها ضد الجماهير الفلسطينية في القدس العاصمة الفلسطينية المحتلة عام 1967، بدل تحميلنا المسؤولية، وإلقاء اللوم على الضحية." لكن الإدارة الأميركية لم تسمع الصوت الفلسطيني العقلاني والحريص على السلام. وكشرت عن انيابها، وأطلقت العنان لإنصار إسرائيل الإستعمارية في رفع سيف المساعدات الأميركية المثلوم في وجه السلطة، التي أساساَ تعاني من إنخفاض حاد وصل ل70% من أموال الدعم لموازنتها. إعتقادا منها، أن لوجوئها لخيار التلويح بوقف المساعدات المالية سيثني القيادة الشرعية عن تمثل دورها ومسؤولياتها الوطنية. لكنها كما في المرات السابقة من مواقفها المعادية للمصالح الوطنية العليا ستبوء بالفشل.
وللإمعان في تماثلها مع إسرائيل أعطت لجنة الشؤون الخارجية مشروع قانونها الجديد إسم الجندي الأميركي تايلو فورس، الذي طعن في إسرائيل نهاية العام 2016 أثناء زيارته لها. حيث ربطت بين مواصلة المساعدات المالية ووقف السلطة دفع رواتب لذوي الشهداء والأسرى الفلسطينيين. وهو الموقف، الذي يضرب على وتره رئيس حكومة الإستعمار الإسرائيلي للتحريض على القيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس محمود عباس. وهم يعلمون أن تأمين مقومات الحياة لعائلات الشهداء والأسرى، هي مسؤولية منظمة التحرير وحكومتها، لإن هؤلاء جميعا لم يستشهدوا او يأسروا لقيامهم بأعمال جنائية، بل للدفاع عن أهداف الشعب الوطنية، ولإرغام إسرائيل على الإستجابة لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وبالتالي هم رموز وطنية، وجب على المؤسسات الفلسطينية دعم وإسناد ذويهم للعيش الكريم إسوة بكل المتضررين من الإحتلالات في دول العالم. وهناك قانون أميركي صودق عليه قبل أكثر من نصف قرن، وتعمل وفقه الولايات المتحدة في تقديم الدعم لإسر ضحايا الحروب. فكيف يجوز تطبيق هذا القانون في أميركا وإسرائيل الإستعمارية نفسها ولا يطبق في فلسطين؟
مشروع القانون الأميركي المعادي للشعب الفلسطيني، الذي صوت لصالحه 17 عضوا وعارضه 4 أعضاء من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، يحتاج لمصادقة مجلسي النواب والشيوخ بكامل أعضائهما لإقراره. ولكن مجرد تمريره من قبل لجنة الشؤون الخارجية لمجلس الشيوخ، انما يعكس النية المبيتة لدى المؤسسات الأميركية التشريعية لإقراره كسلاح جديد في إطلاق يد إسرائيل وإئتلافها الحاكم للمضي قدما في مشروعها الإستعماري على حساب التسوية السياسية، وبالمقابل لإبتزاز القيادة الفلسطينية، وإخضاعها للمشيئة الأميركية الإسرائيلية. وهو ما يكشف مرة أخرى عن إفلاس وخواء السياسة الأميركية، وعدم أهليتها لرعاية عملية السلام.
الشعب والقيادة الفلسطينية لا يريدوا إفتعال معارك مع أميركا، ولا يرغبون بإستعداء الولايات المتحدة، بل يحرصون على إقامة علاقات ودية وإيجابية مع الإدارة الأميركية لبناء ركائز التسوية السياسية المستندة لخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. بتعبير آخر الحرص الفلسطيني على تعزيز العلاقة مع البيت الأبيض والمؤسسات التشريعية الأميركية يقوم على اساس الندية والإحترام المتبادل للإسهام في بناء صرح السلام الممكن والمقبول فلسطينيا وعربيا وعالميا وإستنادا لقرارات ومواثيق الشرعية الدولية ومرجعيات عملية السلام. فهل تدرك أميركا ولو لمرة واحدة، ان لعبة الإبتزاز والضغط والتماهي مع إسرائيل تضر بمصالحها الحيوية في المنطقة، ولا تخدم رعايتها لعملية التسوية السياسية، وتطلق يد الإستعمار الإسرائيلي لإشعال فتيل الحروب والعنف والإرهاب المنظم في المنطقة برمتها وليس ضد الشعب الفلسطيني ومصالحه الوطنية العليا لوحده؟