بقلم: حسن البطل
على هاتفه الذكي، أراني صديقي شريط فيديو مؤثراً: تركية أصيبت ابنتها برصاصة في اعتصامات المقادسة أمام بوابات الحرم، وتتحدث من قلبها بلسانها ليس عن ابنتها.. ولكن: «أمة الإسلام». «أمة محمد». «أمة القرآن»!
أمس، أوقفت تركيا وإسرائيل تراشقهما الإعلامي حول مجريات أحداث الحرم القدسي، حيث ادّعى زعماء دول وشخصيات فضلاً لهم في النصر المقدسي.
تذكرت أمرين: صَدْر بيت شعر يقول: «كُلٌّ يَدَّعِي وصلاً بليلى..»، وأيضاً ما غاب عن «السلطان» أردوغان في الملاسنة مع إسرائيل. ما هو؟
كان عليه، وقد اقترب موعد الحج إلى بيت الله الحرام، أن يدعو حجاج بلاده إلى «تقديس» حجتهم، كما كان يفعل مئات ألوف الحجيج قبل العام 1967.
أردوغان قُلّب وغريب الأطوار، كما كان حال معمر القذافي، وهو الوحيد الذي، مع اعتراضه على أوسلو، أوصى حجاج بلاده لأولى القبلتين، أن يقدسوا حجتهم لثالث الحرمين، وكان ذلك في شهر أيار 1993.
لا يعرف البعض ما أعرفه حول الحجيج التركي إلى مكّة، عَبر البرّ السوري، قبل وبعد العام 1967. لا أذكر ما قبل عام الهزيمة، لكن تصادف أن باصات الحجيج التركي كانت تتجمّع أمام أحد مداخل «معرض دمشق الدولي، الذي كان يجاور «التكية السليمانية» على ضفاف بردى، التي تجاور جامعة دمشق عندما كنت طالباً فيها.
بالنسبة للأتراك، ليست مدينة القدس هي مقدسة، لكن، أيضاً «شام شريف»، أي تبدأ حدود فلسطين والقدس، مع اجتياز الحدود السورية التركية، وهناك كان يخلع الحجاج الأتراك أحذيتهم، ويدخلون بلاد «شام شريف» حفاة. ويزورون المسجد الأموي و»التكية السليمانية».
خارج سجال وجدال: التطبيع واللاتطبيع، والفرق بين زيارة السجين والسجن والسجّان، فإن علاقات تركيا بإسرائيل غيرها علاقات دول المحيط العربي، والمحيط الإسلامي العربي، وغير علاقات إيران بها بعد إطاحة عرش الشاه.. و»يوم القدس» و»فيلق القدس» و»الموت لإسرائيل».. إلخ.
يُنسَب الفضل في نصر القدس إلى أصحابه: المقادسة أولاً (والفلسطينيين) والأوقاف ثانياً.. وموقف رئيس السلطة ثالثاً. هل لاحظتم: في كل مؤازرة شوارع إسلامية وعربية وفصائل فلسطينية خارج القدس، رأيتم أعلام الدول والفصائل.. لكن في الحرم القدسي كان في يوم النصر علم واحد: علم فلسطين وحده لا شريك له.
في كل عدوان إسرائيلي خارج أرض فلسطين، نسمع هذا القول: «سنردّ في الوقت المناسب» لكن رئيس السلطة وحده وجد الوقت المناسب لوقف أشكال التنسيق كافة.. وايضاً برنامجا لدعم القدس، بما يشمل أصحاب حوانيتها في أسواقها العتيقة ومستشفياتها ولطلابها في الجامعات.. إلخ.
أحد المعارضين في المنفى لسياسة السلطة ورئيسها قال: ليكن ما تقوله إسرائيل: هذا نصر لعباس، أيضاً في القدس، لكن ليرفع خدماته لأهلها لمستوى ما يتلقاه المستوطنون في الضفة.
يُقال: «الجود من الموجود» ومبلغ الـ25 مليون دولار من ميزانية السلطة (لحثّ المموّلين والصناديق) متواضع أمام ما تجود به إسرائيل على مستوطناتها ومستوطنيها، فلا مقارنة بين ميزانية السلطة بميزانية دولة إسرائيل، ولا بين ميزانية إسرائيل العامة وميزانية تهويدها للقدس، بميزانية دول العالم العربي والإسلامي وهدرها في الحروب الاحتراب.
1000 دولار لكل حانوت من حوانيت ودكاكين أسواق القدس التي بارت تجارتها، لكن عَوَّضَ المقادسة بسياسة التكافل بعض أضرار تحدِّي الـ 11 يوماً للإجراءات الإسرائيلية.
مئات آلاف السُوَّاح الإسرائيليين إلى تركيا تحت شعار سياحي «الكل مشمول»، فلماذا ليس مئات آلاف الحجاج الأتراك إلى القدس والحرم القدسي لإنعاش أسواقها القديمة؟
موقف المقادسة دَعَمَ موقف أوقافها، لكن شباب القدس (عندما فكرت الأوقاف بدخول الحرم بعد رفع البوابات والكاميرات، مع استمرار إغلاق بوابات منها «باب حطة») دفعوا الأوقاف إلى الإصرار على فتح بوابات الحرم كافة.. وهكذا كان.
الذي سخر منه شارون، ووصفه «صوص بلا ريش» أخذ على عاتقه «الموقف المناسب في الوقت المناسب» بما فاجأ إسرائيل. آن أوان الشدّ.
ليس من عادة رئيس السلطة أن يقطع زياراته، لكنه فعل وعاد من زيارة رسمية للصين، كانت مدتها أربعة أيام، واتخذ الموقف المناسب في الوقت المناسب.
هناك من قارن بين «كي وعي» الفلسطينيين بعد الانتفاضة الثانية، حسب رئيس أركانهم «آنذاك» موشي يعالون، وبين «كي وعي» إسرائيل في هذا التحدي العظيم الذي جرى في القدس.
مع هذا، لاحظوا أن 70% من الجمهور الإسرائيلي انتقد رئيس حكومتهم لتراجعاته، لكن آخر استطلاع أفاد أن لا بديل عنه لمنصب رئيس الحكومة.
إسرائيل فوجئت باندلاع الانتفاضتين الأولى والثانية، لكن ها هي تتلقى مفاجأة ثالثة: شبح انتفاضة ثالثة، وشرارة حريق يعيد قضية فلسطين إلى صدارتها العربية والإسلامية والدولية (ولأميركا حيث رفض عباس الاجتماع مع غرينبلات).
«هبّت رياحكم..» واغتنمها الفلسطينيون، بما دفع دولاً وقادةً وزعماء حركات لادعاء الوصل بليلى والقدس والحرم وفلسطين.. لكن عجز البيت هو «وليلى لا تُقِرّ لهم بذاكا».
بيت عائلة أبو رجب
تأمَّلت صور استيلاء مستوطنين على بيت آخر في الخليل، قرب الحرم الإبراهيمي. إمّا يَدَّعِي المستوطنون أنهم يستعيدون بيوتاً كانت لليهود قبل إسرائيل، وإمّا يَدَّعُون أنهم اشتروها، أو اشتروا الطابقين العلويين من ثلاثة طوابق.. تمهيداً لجعل سكان الطابق الأرضي جحيماً كما يفعلون في القدس.
البيت حجارته حديثة من حجر «المسمسم» وبجواره بيت قديم وآخر أكثر قدماً، وصفقة احتيال الشراء غير صحيحة، حتى بنظر محكمتهم العليا.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها