نعمل بكل جهدنا على إنهاء الاحتلال وتحقيق الاستقلال عبر الوسائل الدبلوماسية"، بهذه العبارة الموجزة التي افتتح بها كلمته في القمة العربية التي احتضنها الأردن، لخّص الرئيس الفلسطيني محمود عباس أولويات القيادة الفلسطينية، ومحذراً من أن يتحول الصراع من كونه صراع سياسي، إلى صراع ديني، مكرراً نفس ندائه للعالم الذي أطلقه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل عامين، ومعتبراً أن تحويل الصراع يعني تدمير المنطقة.

ولأن القمة العربية التي عقدت في بيروت عام 2002 أطلقت مبادرة عربية متكاملة ومستندة إلى القرارات الدولية، فلقد كان واضحاً برفضه لكل الحلول الجزئية والترقيعية والإقليمية التي تضعف مطلبنا أمام العالم، وتتيح لـ (إسرائيل) الدخول في معادلات جديدة تحسب لصالحها ويدفع الشعب الفلسطيني وقضيته الثمن الفادح، ولهذا أكد مرة أخرى أن (إسرائيل) هي من يعمل على تقويض السلام وحل الدولتين هم الإسرائيليون، عبر ممارساتهم العنصرية "الأبارتايد" وتسريع وتيرة الاستيطان ومصادرة الأراضي الفلسطينية، والاستيلاء على القدس، وسن القوانين التعسفية والتي يراد بها تقويض السلطة الفلسطينية وإضعافها، وبل الزحف نحو الــ40% التي تقع تحت السيطرة الفلسطينية المدنية في الضفة الغربية، واستمرار العدوان والحصار على قطاع غزة.

ومذكراً العالم كله بأن القضية الفلسطينية هي الأهم في تاريخ العرب، وبالرغم من ركام وغبار الصراعات الداخلية في بعض البلاد العربية، إلا إن "القضية الفلسطينية بقيت حاضرة رغم الأزمات، فهي القضية القومية والمركزية الأولى عند العرب"، وأمام العنجهية الإسرائيلية واشتراط اعتراف الفلسطينيين بالدولة اليهودية بما يمثل إلغاء حق العودة وعدم العودة إلى حدود 67م، وهي نفس اللاءات التي أطلقها نتنياهو رئيس حكومة (إسرائيل) الحالي في 1994، حيث قال آنذاك وكان يترأس الحكومة "لا لتقسيم القدس، ولا لعودة اللاجئين، ولا للعودة إلى حدود 1967م"، لهذا قال الرئيس أبو مازن " إذا أرادت إسرائيل أن تكون شريكاً للسلام في المنطقة، فعليها أن تتخلى عن فكرة أن الأمن يأتي بمزيد من الاستحواذ على الأرض، لذا عليها إنهاء الاحتلال".

وبرزت واقعية الخطاب القيادي للرئيس الفلسطيني وتمسكه الدائم بالثوابت وإبراز معاناة ومأساة شعبنا الفلسطيني وتذكير العالم بالظلم التاريخي الذي وقع على شعبنا، بقوله أن على بريطانيا "الاستعمار القديم" أن تقوم بالاعتذار الفعلي على جريمة وعد بلفور، بدلاً من أن تحتفل بمرور مائة عام على هذا الوعد المشؤوم والذي يمثل جريمة مستمرة ضد الأرض والسكان العرب الفلسطينيين فوق أرضهم التي تم احتلالها واستعمارها وتسهيل الاستيلاء عليها وبل إخضاع القانون الدولي لهذا الوعد بإقامة "دولة إسرائيل" والاعتراف بها، وبهذا يتحمل العالم عامة وبريطانيا خاصة النكبة والمأساة التي لازالت حاضرة في كل حياتنا الفلسطينية.

ولقد كان ملف الانقسام بكل تداعياته، حاضراً في خطابه أمام الزعماء العرب، وحدد أولويات المرحلة القادمة بإجراء الانتخابات المحلية والشروع في تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وفق برنامج منظمة التحرير الفلسطينية، كمدخل لإنهاء معاناة شعبنا وتحقيق الوحدة لمواجهة كل المخططات التي يراد بها إنهاء القضية وتقزيمها، ووضع أولوية تعزيز المؤسسات الفلسطينية كهدف لتعزيز صمود شعبنا.

وكما ذكّر بالإخطار المحدقة التي تحيط بالقدس والمقدسات كافة، وشدد على نصرتها وتعزيز صمود أهلها، بزيادة الموارد المالية لدعم القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، ومواجهة كل الحملات الإسرائيلية الممنهجة والتي يراد بها إنهاء وتشريد الوجود الفلسطيني.

المراقب المحايد يدرك دائماً أن الموقف الفلسطيني من الواقع العربي، كان ثابتاً، وعلى أرضية الوفاق، وأن الموقف من الإدارة الأمريكية كان واضحاً، ومرتكزاً على حل الدولتين وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وإنهاء الاحتلال، وأن العيش بسلام وأمن رخاء، هو مطلب الجميع، وبالتالي على الجميع العمل بجدية على الوصول له، دون إملاءات أو تدمير وتجاوز القوانين والمقررات الدولية ذات الصلة.