ونحن في بداية مواسم الخير ومع اقتراب شهر رمضان المبارك، وفي بداية شهر رجب المُحرم، يجب أن نكون سباقين لفعل الخيرات ولنكسب هذه الأيام التي تمضي بنا رحلة العمر مسرعة، لتصل بنا للموت، وليس بعد الموت من دار إلا الجنة أو النار كما أخبر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام؛؛ ولا يبقى هناك في الأخرة درهم ولا دينا وإنما الحسنات والسيئات، ونتطرق هنا لقضية هامة غفل عنها الناس ألا وهي الصدقة، فهُناك فوائد عظيمة للصدقة: مِنها: تُولّد رُوح المُؤاخاةِ والتّعاوُن بُينَ النّاس. تُزيل الغيبَة والنّميمة والحَسَد بَينَ النّاس. يَظِلّ الله تعالى المتصدّقين يَومَ القِيامَة يِومَ لا ظِلّ إلاّ ظلّهُ سُبحانهُ وَتعالى، وَقَدّ حَثّنا عليها الرسولً صل الله عليهِ وسلّم فقال: (والصّدقةُ بُرهان) لِما فِيها مِن صِدقِ الإيمانِ والمُعامَلةِ مَعَ اللهِ تَعالى، والصّدَقَةُ ليسَت مُجَرّد الإنفاقِ بِالمال ويُمكِن أن يَتَصَدّق المُسلِم بالسّلامِ وَحُسنِ الكلام واحترامِ النّاس؛ فَهذهِ جَميعُها صدقات يُجازي بها الله تعالى عبدهُ المؤمن، وعن أبي أمامه الباهلي رضي الله عنه أن رسول الله صل الله عليه وآلة وسلم يقول( دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ )، والعلاج بالصدقة لدفع الأمراض والبلاء عام قد ينتفع منه غير المؤمن كالفاجر والظالم والكافر، يقول ابن القيم:" فإن للصدقة تأثيراً عجيباً في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو من ظالم بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها عنه أنواعاً من البلاء وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه، ويروي أن رجلاً سأل الإمام عبد الله ابن المبارك قائلاً: يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين، وقد عالجت بأنواع العلاج و سألت الأطباء فلم أنتفع به، فقال: اذهب فانظر موضعاً يحتاج الناس إلى الماء، فاحفر هناك بئرا فإني أرجو أن تنبع هناك عين ويمسك عنك الدم، ففعل الرجل فبرأ من مرضهِ بفضل الله عز وجل ومن ثم الصدقة، وقصة أخرى لامرأة أصيبت بفشل كُلوي عانت منه كثيرًا بين مراجعات وعلاجات فطلبت مَنْ يتبرعُ لها بكُلْيَة مقابل مبلغ مالي: (بمكافأة قدرها عشرون ألف ريال) وتناقل الناس الخبر ومن بينهن تلك المرأةُ التي حضرت للمستشفى، موافقًة على كافة الإجراءات وفي اليوم المحدد دخلت المريضةً على المتبرعة فإذا هي تبكي فتعجبت وسألتها ما إذا كانت مكرهةً فقالت: ما دفعني للتَّبرع بكليتي إلا فقري وحاجتي للمال ثم أجهشتْ بالبكاء فَهَدَّأتها المريضة وقالت: المال لك ولا أريد منك شيئًا, وبعد أيام جاءت المريضة للمستشفى وعند الكشف عليها رأى الأطباء العجب فلم يجدوا أثرًا للمرض فقد شفاها الله تعالى بفضل الصدقة،  فداووا مرضاكم بالصدقات. وقد بين القرآن الكريم عِظم أجر الصدقة، والعطاء مع التقوى سبب للسير في طريق الصلاح والفلاح والفوز بالجنة في الأخرة، والعكس صحيح للشحيح البخيل؛ وفي ذلك يقول الله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم-: (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكاً تلفاً)عَنْ يَزِيدَ بن أَبِي حَبِيبٍ به ولفظه: ( إِنَّ الصَّدَقَةَ لتطفئ عَنْ أَهْلِهَا حَرَّ الْقُبُورِ، وَإِنَّمَا يَسْتَظِلُّ الْمُؤْمِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّ صَدَقَتِهِ ). و( كل امرئ في ظل صدقته حتى يفصل بين الناس) أو قال: (يحكم بين الناس) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال،، قال رسول الله صل الله عليه وسلم:" يكبر ابن آدم ويكبر معه اثنان حب المال وطول العمر""، هذا يبين شرعية الإنفاق وأنه يستحب للمؤمن أن ينفق دائماً ولو قليلاً، مما أعطاه الله ويجتهد في الخير، حتى يفوز بالدعوة المباركة بالخلف؛ (اللهم أعط منفقاً خلفاً)، والله يقول -سبحانه-: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[سـبأ: 39]، وأجر الصدقة والإنفاق في سبيل الله عظيم عند الله، وقد قال الله تعالى آمراً نبيه بالإنفاق قال تعالى: (قُل لِّعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُواْ يُقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَيُنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ حِلاَلٌ ) ويقول جل وعلا: وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ...). وقال سبحانه: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) ومن الأحاديث الدالة على فضل الصدقة قول النبي عليه السلام:{ ما منكم من أحدٍ إلا سيكلمه الله، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة } فضائل وفوائد الصدقة أولاً: أنها تطفئ غضب الله سبحانه وتعالى كما في قوله : { إن صدقة السر تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى } ثانياً: أنها تمحو الخطيئة، وتذهب نارها كما في قوله : { والصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار } ثالثاً: أنها وقاية من النار كما في قوله : { فاتقوا النار، ولو بشق تمرة""؛  وقد ذكر النبي عليه الصلاة والسلام: أن من السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: { رجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه } خامساً: أن في الصدقة دواء للأمراض البدنية كما في قوله : { داووا مرضاكم بالصدقة }. سادساً: إن فيها دواء للأمراض القلبية كما في قوله لمن شكى إليه قسوة قلبه: { إذا أردت تليين قلبك فأطعم المسكين، وامسح على رأس اليتيم } سابعاً: أن الله يدفع بالصدقة أنواعاً من البلاء كما في وصية يحيى عليه السلام لبني إسرائيل: ( وآمركم بالصدقة، فإن مثل ذلك رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير، ففدى نفسه منهم ) فالصدقة لها تأثير عجيب في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجرٍ أو ظالمٍ بل من كافر فإن الله تعالى يدفع بها أنواعاً من البلاء، وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض مقرون به لأنهم قد جربوه. ثامناً: أن العبد إنما يصل حقيقة البر بالصدقة كما جاء في قوله تعالى: لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ تاسعاً: أن المنفق يدعو له الملك كل يوم بخلاف الممسك وفي ذلك يقول : { ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً } عاشراً: أن صاحب الصدقة يبارك له في ماله كما أخبر النبي عن ذلك بقوله: { ما نقصت صدقة من مال } الحادي عشر: أنه لا يبقى لصاحب المال من ماله إلا ما تصدق به ولما سأل النبي عائشة رضي الله عنها عن الشاة التي ذبحوها ما بقى منها: قالت: ما بقى منها إلا كتفها. قال: { بقي كلها غير كتفها } الثاني عشر: أن الله يضاعف للمتصدق أجره كما في قوله عز وجل: إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ وقوله سبحانه: مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ.