لا أعتقد أن هناك مراقبا في العالم تفاجأ بقرار الكونغرس الأميركي، المندد بقرار مجلس الأمن الدولي 2334، الصادر في 23 ديسمبر/كانون أول 2016، الذي إعتبر الإستيطان الإستعماري الإسرائيلي خطرا على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967. وتأكيده بإن إمتناع أميركا عن إستخدام حق النقض (الفيتو)  أمرا "معاديا لإسرائيل"؟، ولعل التصويت عليه بأغلبية كبيرة وصلت إلى 342 عضوا مع القرار مقابل 80 عضوا ضد، يكشف مرة أخرى ان الغالبية الساحقة من أعضاء المجلسين (الشيوخ والنواب) منحازة بشكل أعمى لجانب دولة التطهير العرقي الإسرائيلية. وهذا الإنحياز ليس وليد الصدفة او ردة فعل آنية او سلوك شاذ في مؤسستي التشريع الأميركيتين، إنما لها أسسها في الواقع الأميركي، منها: اولا قدرة الإيباك الصهيو أميركي على شراء ذمم النواب، ورشوتهم بالمال والصوت والإعلام الصهيوني؛ ثانيا تشابه المركبات الإستعمارية بين الدولتين، لاسيما وان كلا القيادتين في إسرائيل وأميركا، تعتبر نفسها "بانها عادت لإرض الميعاد"؛ ثالثا الخدمات الإستعمارية، التي تقدمها إسرائيل للرأسمال الغربي عموما وللولايات المتحدة خصوصا. وبالتالي المصالح المشتركة تسهم في ذلك؛ رابعا تغلغل اليهود الصهاينة وحلفائهم من الصهاينة المسيحيين، الذين يدعموا إسرائيل لإعتبارات دينية، لها علاقة بعودة السيد المسيح؛ خامسا الاهم من ذلك الدور المركزي، الذي تلعبه العائلات اليهودية الغنية، اباطرة المال المالي (روتشيلد وروكفلر .. وغيرهم) في صناعة القرار والنفوذ في الولايات المتحدة؛ سادسا غياب العرب وأنصارهم عن التأثيرفي صناعة القرار الأميركي، رغم ان عددهم أكبر من عدد اليهود الصهاينة (لإن هناك يهود لا صلة لهم بالصهيونية وإسرائيل، لا بل يتخذون مواقف مضادة لها) في أميركا.

قرار الكونغرس، كما تؤكد كافة القراءات للمحللين السياسيين، سيفتح الباب أمام مصادقة مجلس الشيوخ على القرار، بالإضافة إلى ان أعضاء المجلسين سيتخذا جملة من الإجراءات ضد الأمم المتحدة، منها قطع التمويل الأميركي عنها، وهو يشكل ما نسبته ال22% من إجمالي موازنة الهيئة الدولية؛ الإنسحاب من عدد من وكالات ومنظمات الأمم المتحدة؛ تمرير عدد من التشريعات لحماية الإستيطان الإستعماري الإسرائيلي على حساب عملية السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967.... إلخ

وحتى لا يبقى الموقف الفلسطيني في دائرة الإنتظار والترقب، تفرض الضرورة التحرك عبر الأشقاء والأصدقاء لصد الهجمات الأميركية الداعمة للإرهاب الإسرائيلي، خاصة وان العالم يشهد حالة من التموجات، وحرب عالمية بالوكالة في المنطقة العربية وإقليم الشرق الأوسط لإعادة رسم خارطة المشهد الدولي، وحيث تراجع موقع الولايات المتحدة، ولم تعد القطب المقرر في العالم لوحدها، فإن الضرورة تملي العمل على : اولا رفع الصوت من خلال المنابر المختلفة المنادية بنقل مقر الأمم المتحدة من الولايات المتحدة إلى دولة أخرى، وضم الصوت الفلسطيني إلى جانب الأقطاب الدولية المنادية بإعادة هيكلة الأمم المتحدة بما يستجيب والتحولات الإستراتيجية في مكانة الأقطاب الدولية؛ ثانيا إسقاط دور الدولار كمعادل للذهب والمقرر في مصير وثقل العملات في دول العالم؛ ثالثا مطالبة الدول العربية والإسلامية بإغلاق سفاراتها في أميركا او التلويح بها في حال واصلت أميركا سياسة الإنحياز الأعمى لصالح إسرائيل، وبالضرورة قطع علاقاتها مع إسرائيل بما في ذلك الدول الموقعة إتفاقيات سياسية او امنية او تجارية معها؛ رابعا سحب الودائع العربية من البنوك الأميركية، لاسيما وان إدارة ترامب هددت بتدفيع العرب فاتورة حمايتها من إيران؛ خامسا شن حملة سياسية وثقافية ضد اليانكي الأميركي وإسرائيل؛ سادسا تعزيز التحالفات مع الأقطاب الدولية الأخرى ومنهم روسيا الأتحادية والصين والهند ودول أميركا اللاتينية المركزية، فضلا عن دول الإتحاد الأوروبي المركزية المتضررة من التوجهات الأميركية الجديدة؛ سابعا إنهاء الرعاية الأميركية كليا لعملية السلام؛ ثامنا سحب الإعتراف باٍسرائيل من قبل قيادة منظمة التحرير الفلسطينية.... إلخ من الأفكار

بالتأكيد ما تقدم من أفكار ومقترحات كبيرة، ولها عمقها الدولي، والقيادة الفلسطينية تعرف حدودها جيدا، ولكنها بعلاقاتها العربية والدولية، كبيرة جدا ومؤثرة في صناعة القرارات الأممية، لذا لا احد يستهين بما تمتلكه القيادة الفلسطينية من تأثير، لاسيما وان العالم يقف  اليوم إلى جانبها في مواجهة التحديات الإسرائيلية الإستعمارية. والحرب سجال، وليست جولة عابرة او قرارا اهوجا متسرعا، بل هي خطة عمل طويلة وتحتاج إلى اليات وأدوات وطنية وعربية واممية. ولكن يفترض الإستعداد للمواجهة في كل المواقع دون تردد أو خشية، ولكن دون تهور وتطير غير مسؤول.