كان ملك من الملوك معروفا بالخير والصلاح, وذات يوم كان يسير في موكبه مع وزرائه وحاشيته فرأى رجلين من اهل الدين والتقوى والصلاح يسيران في الطريق, فنزل من حصانه الى الارض وسلم عليهما وصافحهما و حياهما فاغتاظ وزراؤه من ذلك. وذهبوا الى شقيق الملك
وقالوا له : ان الملك حقر نفسه ونزل من حصانه وسلم على رجلين ليسا من اهل المال اوالجاه. وانما هما رجلان عاديان من عامه الناس , فنرجو ان تخبر الملك ان مثل هذا الامر لا يليق به.
واخبر الاخ اخاه الملك بالامر وعاتبه على فعله
فقال الملك لاخيه : انتظر وسأعطيك الجواب غدا.
وفي صباح اليوم الثاني أخبر الملك المنادي ان ينطلق الى شوارع المدينه ويعلن عن اعدام شقيق الملك , وفعل المنادي ما أمره الملك به, فاندهش الناس وقامت النوائح في دار شقيق الملك الذي اخذه الجنود الى قصر اخيه لغرض اعدامه امام الوزراء وكبار رجال الدوله وجمع كبير من الناس.
ودخل شقيق الملك وهو يبكي ويتوسل بشقيقه الملك ان يعفو عنه ويغير قراره
فقال الملك : ايها السفيه انك جزعت وبكيت وتوسلت من منادي اخيك الملك الذي هو انسان مثلك مع علمك انك لم ترتكب ذنبا تستحق عليه الموت والاعدام, فكيف تلومني وتعاتبني على نزولي من فرسي لأسلم على رجلين صالحين من أهل الدين والتقوى
فكيف ساعتذر اذا جاءني منادي ربي واخذني الى جهنم لتكبري على عباد الله الصالحين؟.
ثم تابع الملك كلامه :
اني اطلقت سراحك, وساخبركم جميعا ايها الوزراء و اهل المال والمناصب ما هي حقيقه الايمان بالله تعالى والعمل باحكام الدين , وما هي قيمه الانسان الصالح,كما ساخبركم بقيمه الانسان المتكبر سواء كان ملكا او وزيرا ,او من اصحاب المال والرفاهيه.
وهنا سكت الجميع بانتظار ما سيقوله الملك الصالح , ووسط هذا الانتظار والسكوت
امر الملك خادمه باحضار صندوقين , وجاء الخادم بالصندوقين ووضعهما امام انظار الجميع وكان احد الصندوقين مصنوعا من الذهب والاحجار الكريمه والاخر مصنوعا من خشب الاشجار العادية.
وعندها سال الملك جميع الحاضرين : أي الصندوقين أثمن؟
فأجاب الجميع : ان الصندوق المصنوع من الذهب واللؤلؤ والياقوت أثمن من الصندوق المصنوع من خشب الاشجار بكثير, ولا توجد نسبه بين ثمن الصندوقين
وبعد ان سمع الملك جوابهم امر احد خدامه ان يفتح صندوق الخشب, وما ان فتحه حتى فاحت من رائحه المسك والعنبر والعطور الطيبه, ونظر الحاضرون الى داخل الصندوق فوجدوه مملوءا بالذهب والدرر والؤلؤ والياقوت والاحجار الكريمه والمجوهرات بحيث يخرج منه ضوء يسر الناظرين , فتعجب الجميع. ثم امر الملك بفتح الصندوق المصنوع من الذهب فخرجت من رائحه كريهة وكان مملوءا بالقاذورات, فتأذى الجميع من رائحته.
ثم قال الملك الصالح : ان المؤمن كصندوق الخشب لا يعطيه الجاهل ثمنا, لانه يجهل ما في صدره وعقله من حكمه وصلاح وخير للناس والدنيا , والمتكبر وصاحب المال الذي لا ينفق منه على عباد الله ،والملك الجبار ،والوزير الظالم مثله كصندوق الذهب الذي يعجبك منظره , ولكن حقيقته وصدره ورأسه مملوء بأمثال هذه القاذورات والروائح الكريهة.
وهنا تعجب الحاضرون جميعا من حكمة الملك واعتذروا منه بعد ان عرفوا حقيقه الامر.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ان الله لاينظر الى أجسامكم ولا الى صوركم ولكن ينظر الى قلوبكم وأعمالكم " رواه مسلم
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها