ليس مفاجئا القصف الاميركي للجيش السوري في جبل ثردة بدير الزور مطلع الاسبوع، الذي ادى وفق المصادر العسكرية السورية إلى سقوط 62 ضحية ومئة جريح من ضباط وجنود الجيش في الموقع المستهدف بالقرب من مطار المدينة. وهو ما سمح لقوات "داعش" التكفيرية بالسيطرة على الموقع. ووفق ضابط سوري، فإن الطائرات الاميركية مرت فوق مواقع تنظيم الدولة الاسلامية في الشام والعراق "داعش" دون ان تتعرض لها، مع ان راياتها السوداء مرفوعة ومعروفة لكل ذي بصيرة.
وتأت عملية القصف الاميركية الجبانة بعد توقيع الاتفاقية الروسية الاميركية الاخيرة لوقف إطلاق النار في شمال سوريا، والتنسيق بين البلدين للعمل بشكل مشترك ضد التنظيمات التكفيرية الارهابية، وتبادل الخرائط والمعلومات الاسبوع الماضي. ومع ان جون كيري، وزير الخارجية الاميركي، الذي وقع الاتفاق مع لافروف، وزير خارجية روسيا، اجرى اتصالا لمدة ست ساعات مع قادة الادارة بمن فيهم الرئيس اوباما قبل التوقيع على الاتفاقية، بمعنى ان القيادة الاميركية درست بتمعن نصوص الاتفاقية قبل الموافة عليها.
ومع ذلك، عندما طالب وزير خارجية فرنسا، إيرو الكشف عن تفاصيل الاتفاق الاميركي الروسي، رفضت الولايات المتحدة نشر التفاصيل. وهو ما اعتبرته الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا هروبا مما حمله الاتفاق، ولكونها "الولايات المتحدة تدافع عن تنظيم "داعش"، وقالت:"إذا كانت لدينا في وقت سابق شكوك بانهم يتسترون على جبهة النصرة، فالآن وبعد الهجمات اليوم (السبت) على الجيش السوري، نصل إلى إستنتاج مرعب، ان البيت الابيض يدافع عن تنظيم "داعش". ووفق المتحدثة باسم الخارجية الروسية، فإن الولايات المتحدة لم تعلن عن نيتها شن عمليات قصف في دير الزور. لانه حسب الاتفاق الثنائي بين القطبين، المفترض ان يتم التنسيق وتبادل المعلومات بينهما في اية عمليات تستهدف هذه المنطقة او تلك.
وذكرت هيئة الاركان السورية، ان الطائرات الاميركية كانت قصفت المعسكر الميداني للواء 108 في السادس من ديسمبر 2015، والذي يبعد كليومترين غرب مدينة دير الزور. وهو ما يؤكد ويعكس التحالف الاميركي مع الجماعات التكفيرية. لان الولايات المتحدة تعتبر تلك التنظيمات التكفيرية أداتها التخريبية المباشرة في الاراضي السورية. وهي ليست من المعارضة الوطنية والديمقراطية. بل هي ادوات مأجورة من المرتزقة. او من مشتقات وإفرازات جماعة الاخوان المسلمين، التي اوكلت لها الادارة الاميركية مهمة تفتيت وحدة الارض والشعب العربي السوري.
وعلى ما يبدو ان عملية القصف الاخيرة لجبل ثردة يوم السبت الماضي، جاءت لاكثر من سبب، اولا الرد على الانتقادات العديدة من اوساط النخب السياسية الاميركية للدور السلبي للادارة في ما يجري في سوريا؛ ثانيا ايضا يأت إستجابة للضغوط الاسرائيلية، التي تعتبر المواقف الاميركية في المسألة السورية تضر بحلفائها من "الدواعش" و"النصرة" وغيرها من المسميات، وكان كتب هليفي، رئيس الاستخبارات الاسرائيلية السابق وعناب، رئيس مركز بيغن/ السادات عن ضرورة "الدفاع عن "داعش"، لان وجودها في سوريا مكسب لاسرائيل واميركا، وفيه إضعاف لروسيا وسوريا؛ ثالثا التأكيد من خلال الضربة، ان عدم التورط في الصراع الدائر على الاراضي السورية مباشرة، لا يعني قبولها بالمشيئة الروسية؛ رابعا نوع من الهروب للامام مما تم التوقيع عليه في الاتفاق مع روسيا من التزامات؛ خامسا ارباك القيادة الروسية والسورية على حد سواء، وفيه خلط للاوراق وقراءة ردود فعلهما.
ومع ان روسا الاتحادية وفق بعض المصادر، لا تريد التنكر لحصة اميركا من كعكة الحل في سوريا، إلآ ان اميركا تفكر بتوريط روسيا أكثر فأكثر في الرمال السورية، وإغراقها فيها إسوة بما حصل في افغانستان. وهو ما يعني ان التوافق الروسي الاميركي الشكلي في شأن سوريا، ليس أكثر من مناورة، كل منهما يحاول إستدراج القطب الاخر لما وضع من سيناريوهات.
النتيجة مما ورد، وبغض النظر عن الموقف من النظام السوري، فإن الولايات المتحدة وإسرائيل أكدتا بما لا يدع مجالا للشك، انهما مع "داعش" و"النصرة" و"جيش الاسلام" و"جيش الفتح" وغيرها من القوى التكفيرية قولا وفعلا، وهما من انتج هذه القوى التدميرية لدول وشعوب الامة العربية لتحقيق هدف بناء الشرق الاوسط الكبير.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها