الانتخابات حق مشروع للشعب، رغم ان فلسطين تخضع لاحتلال بشع وفوق القانون الدولي، وتعيش حالة إنقلابية سوداء، تشكل خطرا أشد بلاءا من الاحتلال الاسرائيلي نفسه. إلآ ان الانتخابات كخيار ديمقراطي في كل مجالات الحياة التشريعية والبلدية والنقابية تمثل ناظم حياة للشعب العربي الفلسطيني لتحقيق اكثر من هدف، منها اولا تعميق وتأصيل العملية الديمقراطية في الحياة الداخلية الفلسطينية؛ ثانيا التأكيد لقوى الانقلاب الاخوانية، ان التداول السلمي للسلطة عبر بوابة صناديق الاقتراع، هي الاسلم والاقوى لاي قوة سياسية ترغب بالمنافسة ووصولها لسدة الحكم؛ ثالثا التأكيد لكل القوى في الساحة والاقليم والعالم، ان الشعب الفلسطيني يضاهي اعظم الدول إلتزاما بالديمقراطية؛ رابعا ايضا إقناع القوى الداخلية المتنافسة، ان الساحة ليست حكرا على قوة بعينها، انما تتسع لجميع القوى والاحزاب والحركات، والاجدر منها في استقطاب الشعب عبر صناديق الاقتراع، يكون الاقدر على قيادة الشعب في مرحلة بعينها.
ورغم ان الانتخابات البلدية تجاوزت معايير النظام، لانها لم تشمل القدس، وكونها جاءت بطريقة مشوشة ومفاجئة للقوى والمؤسسات الوطنية نتاج شخصنة البعض لعملية ديمقراطية بحجم البلد، إلآ انها كانت ضرورية. ودافع المرء عنها، وطالب بتنفيذها في باقي اراضي السلطة الوطنية. مع ان الجناح الجنوبي من الوطن منقلب على الشرعية منذ عشرة اعوام خلت. وحكومة التوافق الوطني، لا تحكم، والمؤسسة الامنية هناك تابعة لحركة حماس الاخوانية الانقلابية، وكذلك المحاكم تديرها ذات الجماعة. وكل احكامها تخضع لمعاييرها. وبالتالي لا تمت للمحاكم الشرعية بصلة. وحذر العديد من المراقبين السياسيين والاعلاميين الفلسطينيين والعرب من خطورة التعامل مع إفرازات الانقلاب الاسود، لاعتقادهم ان مثل هكذا خطوة يشرعن الانقلاب، وهو ما تطمح له حركة حماس ومن يقف خلفها من العرب والمسلمين حلفاء وحواضن التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين الدولي.
مع ذلك اعلنت حركة حماس في البداية رفضها لاجراء الانتخابات البلدية والمحلية، إنسجاما مع خيارها اللاديمقراطي، وحرصا على تأبيد الامارة الاخوانية. لكن بعد إقناعها من قوى محلية وعربية واقليمية بانعكاساتها الايجابية عليها، وبعد تمحيصها بالمردود الايجابي على انقلابها الاسود، وافقت على إجراءها في قطاع غزة. وربطت تحقيق اهدافها باستمرار الانتخابات او العكس. حيث راهنت في البداية على تعويمها عبر تشكيل قوائم واسعة تشمل ممثليها مع ممثلي القوى السياسية الاخرى. لانها تعلم علم اليقين، انها لا يمكن ان تنجح في محافظات الجنوب إلآ بالتزوير او بملاحقة قوائم حركة فتح والقوى الوطنية الاخرى بالاعتقال او بالارهاب او بالطعن في قوائمها من خلال محاكم التفتيش التابعة لها في غزة. وهو ما حصل فعلا، بعدما تيقنت إفلاسها وفشلها، فقد طعنت تلك المحاكم في تسعة من مجمل المجالس البلدية والمحلية في القطاع، وهي: خانيونس البلد، عبسان الكبيرة، القرارة، الفخاري ورفح الشوكة في الجنوب. وقبل ذلك طعنت في اربع قوائم في: النصيرات، بيت حانون، ام النصر والزهراء. وهو ما يعني إرتكاب مجزرة فضيعة للعملية الديمقراطية ضد قوائم حركة فتح. نتيجة عدم اليقين بالنجاح في اي من المجالس في غزة. لذا مهدت بسياسة الطعن. ونجحت في افشال الانتخابات.
رغم ان المرء، دون هنا، ان العملية الانتخابية لا تكرس مؤسسات حركة حماس، وتشكل جسرا للمصالحة الوطنية، وتعطي فرصة للشعب باختيار ممثليه داخل المجالس البلدياية والمحلية والقروية، بالتالي يضعف حماس وانقلابها. غير انها (حركة الانقلاب) فرضت خيارها ومنطقها على الانتخابات، مما إضطر عدد من المحامين وانصار بعض القوائم اللجوء للمحكمة العليا في رام الله للبت في الخروقات الفاضحة من قبل حماس وعلى مبدأ إجراء الانتخابات من اساسه دون القدس العاصمة، مما حدا بقضاتها يوم الخميس الماضي البت بتأجيل الانتخابات لحين. وهذا خيار موضوعي وعادل نسبيا لحماية الشعب وشرعيته والعملية الديمقراطية، والحؤول دون تمرير ما رمت إليه حركة حماس الاخوانية. النتيجة مما حصل طيلة الشهرين السابقين، ان التجربة دونت العديد من الدروس والعّبر، وكشفت عن مثالب وعيوب اخرى، يا حبذا لو ان كل قوة تحاول ان تتعلم مما جرى، وتستخلص ما يفيد تجربتها في المستقبل.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها