خاص مجلة القدس العدد 327 حزيران 2016-
تحقيق: تغريد العبد الله
طالما لحِق بالمرأة ظلمٌ وتقييدٌ للحريات بسبب بعض العادات والتقاليد البائدة والتي لا تزال مؤثرّة في مجتمعنا الشرقي، إلا أن المجتمع الفلسطيني في الشتات تمكّن أخيراً من كسر حاجز هذه العادات والتقاليد، بل وباتت الفلسطينيةُ اليوم ترتدي سروالاً رياضياً وتركل الكرة بقدميها في الملعب بدون تقييد وخوف.
هذا الميدان الجديد، ميدان كرة القدم، لم يكن ليُفتح أمام الفلسطينيات لولا مبادرة جمعية الجليل في مخيم الرشيدية في مدينة صور التي جاءت لتؤكّد أن الفلسطينية تبرع أيضاً في كرة القدم ولا يقتصرُ دَورُها على القيام بالأعمال المنزلية أو بالأعمال الزراعية والمهن الحرفية واليدوية، على أهميتها، وأنَّ هذه الرياضة لن تؤثِّر على أنوثتهن أو تقلّل من حشمتهن أو تنال من عاداتنا وتقاليدنا الحميدة.
تجربة رائدة توفّر الدعم النفسي للفتيات
يروي عضو الهيئة الإدارية لجمعية الجليل الأستاذ حسين شراري لمجلة "القدس" عن تجربة انشاء فريق كرة قدم للفتيات، والتي تعد الاولى من نوعها في مخيم الرشيدية، فيقول: "جمعية الجليل هي جمعية تطوعية مستقلة وحيادية تأسّست العام 2011، هدفها هو تنمية قدرات الشباب والاطفال وتغيير نمط حياة الاطفال الذين من حقّهم عيش حياة ملؤها اللّعب والفرح بعيداً عما يغزو أيامهم من مشاكل وحروب تسرق منهم ضحكتهم، وتشجيع العمل التطوعي في الرياضة، واستخدام اللّعب والرياضة لتطوير مهارات الاطفال وقدراتهم الفردية والمجتمعية. وبالطبع ففكرة إنشاء فريق كرة قدم للفتيات هي فكرة مهمة في المخيمات الفلسطينية، ولكن تطبيقها في البداية كان صعباً جداً، علماً أن ممارسة الفتيات لرياضة كرة القدم بانتظام يجعل برامج الدعم النفسي للتفريغ عنهن من الآثار النفسية التي تخلّفها الظروف الصعبة التي عاشها المخيم أكثر جدوى، وقد شعرنا أن طالباتنا في أمس الحاجة لنشاط رياضي يدعم الجانب النفسي ومن هنا كان انشاء الفريق".
ويشير شراري إلى أنهم وجدوا في كرة القدم الطريقة الأمثل للدعم النفسي المنشود "إذ ان الفتيات يحببن ممارستها بشدة خاصة أن مخيم الرشيدية يفتقد لأندية تساهم في تعليمهن كرة القدم"، ويضيف "نحن لا نسعى لتغيير الثقافة بل تغيير السلوك وتطويره، إذ يجب أن تمثّل الفلسطينية بلدها مع المحافظة على الثقافة الإسلامية والعادات والتقاليد المرتبطة بها. فالرياضة مهمة للفتيات في المجتمع الفلسطيني كي نحميهن من الانجراف وراء مجتمع لا يخلو من الفساد، كما أن الرياضة تعزّز الثقة بالنفس، وتنمّي المواهب، وتعزّز الأمل والطموح لديهن. وقد بدأتُ تطبيق الفكرة منذ خمس سنوات، واليوم أصبح عدد المنتسبات 25 لاعبةً، تتراوح أعمارهن ما بين 11 إلى 14 عاماً، ومعظمهن يلعبن وهن يرتدين الحجاب والقمصان الرياضية، وهذا دليل على أننا نراعي عاداتنا وتقاليدنا وديننا. وبعد بذل تعبٍ وجهدٍ كبيرَين أصبح جزءٌ من هذا الفريق يشارك في مباريات خارج لبنان ومنها في دولة النرويج. كما أقمنا شراكة مع مؤسسة خطوات، وهي جمعية فلسطينية تدعم الرياضة في فلسطين والاردن ولبنان، علماً أنّنا أرسلنا في العام الماضي ثلاث لاعبات من جمعية الجليل للمشاركة في كأس النرويج لكرة القدم عبر الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم. وقد أصبح هذا الفريق عضواً في الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم للفتيات في مخيم المية ومية، واغتنمُ الفرصة لأوجّه الشكر للأونروا على تقديمها لنا القاعة الرياضة الخاصة بمدرسة الاقصى الثانوية في مخيم الرشيدية.كذلك أنوّه لوجود فريق كرة سلة للفتيات خاص بالجمعية، اي أننا نشجّع كرة السلة وكرة القدم وفريق كرة السلة يشارك في التدريبات العالمية لجمعية خطوات".
ارتياح وسط الأهالي وإقبال من الفتيات
حول شعوره إزاء تدريب فريق كرة قدم مكوّن من فتيات يقول المدرِّب محمود شراري: "أشعرُ بفخر شديد بأنني أقومُ بتدريب فريقٍ لكرة القدم للفتيات رغم أنها مهمة صعبة جداً كوننا نعيشُ داخل مجتمع مغلَق (شرقي)". ويتابع "لكن كان للأهالي دورٌ مهمٌ في تشجيع هذه الفكرة، وهذا ما أعطانا حافزًا جيّداً لتنفيذ هذه الفكرة على أرض الواقع رغم الخوف الذي كنتُ أشعرُ به في البداية لأنني سوف أقوم بتدريب فريق فتيات لكرة القدم، بالإضافة إلى أن وجود مدرّبة كرة قدم تساعدني في التدريب شجّع الاهل والفتيات على القدوم الى أرض الملعب. وبعد تجهيز جميع لوازم التدريب من لباس ومعدات، وتأمين ملاعب للتدريب، بدأت التدريبات على أرض الملعب، وبعد مشوار طويل خُضناه معاً، أصبحت الفتيات يلعبن بمهاراة ويشعرن بالفخر والاعتزاز والفرح".
وتقول بشرى شراري التي لم يتجاوز عمرها 12 عاماً، وهي طالبة في الصف السادس الابتدائي، "السعادة تغمرني كلما ارتديتُ ملابس الرياضة وركلتُ الكرة، وأجمل شعور بالنسبة لي هو حين ألعبُ مع زميلاتي في الفريق وتتجاوز الكرة خط المرمى فنتعانقُ وسط تشجيع الحاضرين".
وبدورها تعبّر نغم عباس، 12 عاماً، عن شغفها الكبير بلعبة كرة القدم، وتشير إلى أنها تطمح لمواصلة ممارسة هذه الرياضة لسنوات عديدة خاصة أنها ساعدتها على تطوير قدراتها البدنية وكسب المزيد من الصداقات مؤكّدةً أنها تشعر بدعم نفسي كبير وهي تركض بسرعة ورشاقة في أرجاء الملعب لتركل الكرة. كما تنوّه إلى أنها ستسافر هذا العام هي وأربع من زميلاتها إلى النرويج بدعوة من الاتحاد العام الفلسطيني لكرة القدم للمشاركة في مبارياتٍ هناك.
رياضة ُكرة القدم هي عالمٌ خاصٌّ يمارِسُ فيه اللاعبون قناعاتهم وإبداعهم وطموحاتهم بحرية مطلَقة، غير أن هذه الرياضة في مجتمعنا لا تزال تعاني بعض التقييد وتصنّف كلعبة للرجال فقط، باستثناء بعض الحالات التي تتمكّن من الخروج من دائرة التصنيفات الضيّقة، كما فعلت جميعة الجليل، لتثبت للمجتمع أن كرة القدم هي لعبة لا تعرف التمييز.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها