أخيراً رأى الاتفاق الاسرائيلي التركي النور، وتحددت ملامحه بنصوص واضحة لا لبس ولا غموض فيها. ولم يعد للشعارات الشعبوية مكانا امام المصالح القومية لتركيا، التي لها اليد العليا في اي قرار سياسي او اقتصادي او امني عسكري.
الحاكم بأمره اردوغان بعد ان فقد حلفاء الامس، عبدالله غول، ومنظر الحزب احمد دواود اوغلو، وفتح الله غولن، وتخليه عن الشعار الناظم للسياسة التركية منذ عام 2002، عندما تسلم حزب العدالة والتنمية مقاليد الامور في البلاد، وهو "تصفير المشاكل"، وبالتالي غرق تركيا العثمانية في مستنقعات الصراعات في الدول العربية عموما وسوريا ومصر خصوصا ودول الاقليم ومع دول البلقان ومع الاتحاد الاوروبي ومع روسيا الاتحادية وحتى مع اميركا وحلف الناتو، وتفاقم الازمة الاقتصادية، وغياب القانون والقضاء النزيه، وملاحقة اصحاب الرأي الآخر في وسائل الاعلام والجامعات وحتى ضباط الجيش والشرطة المختلفين مع سياسة السلطان الجائر، وارتداد موجات الارهاب الى الداخل التركي، وصعود المسألة الكردية إلى السطح، وطرح خيار إنفصالهم عن الدولة التركية. لكل تلك الازمات والعوامل الذاتية والموضوعية، أُرغم رئيس الدولة اردوغان لتدوير زوايا عديدة في محاولة لانقاذ الذات من السقوط، وكان لزاما عليه: اولا ترطيب الاجواء مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية، ثم ابرم الاتفاق معها امس الاحد ومن موقع الضعيف والمتنازل عن الكثير من الشروط، التي اُعلن عنها طيلة شهور المفاوضات الثنائية؛ ثانيا الاعتذار لروسيا عن إسقاط الطائرة في ال24 من نوفمبر 2015، رغم رفضه في البداية تقديم اي اعتذار لروسيا، ليس هذا فحسب، بل تطاول على روسيا، معتقدا ان اميركا والناتو ستقف معه كيفما كان، لكن حسابات اردوغان جانبت الصواب، فأسقط في يده؛ ثالثا السعي لتجسير العلاقة مع الدول في الاقليم وشبه جزيرة البلقان ومع اوروبا وخاصة في مسألة الهجرة.
وقبل الاستطراد في تنازلات تركيا لاسرائيل، يمكن لفت إنتباه المتابعين للشأن التركي، الى وجود قاسم كبير بين اردوغان ونتنياهو، لجهة إستماتة كليهما على البقاء في كرسي الحكم بغض النظر عن الثمن، الذي ستدفعه البلاد والمجتمع على حد سواء.
ومع التأكيد على حق تركيا الكامل في رسم السياسة، التي تتوافق مع مصالحها السياسية والاقتصادية والامنية، والحق في التوقيع على اي اتفاق يراه نظام السلطان العثماني الجديد منسجما مع مصالح نظامه السياسي مع اي دولة اخرى بما في ذلك إسرائيل. غير ان الاقرار بالمسألة السيادية التركية، لا يعني تمرير التدخل التركي الفظ في الشؤون الفلسطينية، ولا يجوز لتركيا ان توقع على اي مسألة تخص الشعب الفلسطيني دون العودة للقيادة الشرعية والتنسيق معها والحصول على موافقتها بالنسبة محطة توليد الكهرباء، محطة تحلية المياة وبناء المستشفى واي موضوع آخر يتعلق بالمصالح الوطنية في غزة او القدس والضفة عموما.
أضف إلى ان الاتفاق التركي الاسرائيلي وجه لطمة قوية لحركة حماس خصوصا والشعب الفلسطيني عموما، اولا تنازل عن شعار رفع الحصار على قطاع غزة، وسلم بالمنطق الاسرائيلي؛ ثانيا غلب المصالح السياسية والاقتصادية والامنية على الايديولوجيا ومصالح جماعة الاخوان المسلمين عموما؛ ثالثا الاستعداد التركي لدعم إسرائيل في حلف الناتو والمنظمات الاممية المختلفة. كما حصل في اللجنة السادسة القانونية التابعة للامم المتحدة؛ رابعا تعميق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين أمنيا واقتصاديا على حساب المصالح الفلسطينية والعربية؛ خامسا التخلي وإسقاط القضايا المرفوعة ضد الضباط الاسرائيليين في محكمة إستنبول مقابل مبلغ 21 مليون دولار لضحايا سفينة مرمرة في نهاية مايو/ ايار 2010؛ سادسا الاستعداد لمواصلة دور الوسيط بين إسرائيل وحركة حماس، وهو ما يعني تجاوز دور القيادة الشرعية، والعمل لتأصيل خيار الامارة على حساب المصالح الوطنية.
رغم ذلك اصدرت حركة حماس بيانا ترحب به بدور تركيا "الايجابي"، كيف؟ وعلى اي اساس؟ واين الايجابي مما يجري في الساحة؟ وبالاستدارة من جادة السؤال إلى جادة استشراف خلفية البيان، فان المنطق يشير إلى ان الترحيب جاء من عنوان اساسي، هو دعم خيار الامارة في محافظات الجنوب، والاسهام بعملية تبادل للاسرى لاحقا لرفع منسوب مكانة حماس في اوساط الشارع الفلسطيني. مع ذلك الاتفاق بائس ويعكس حجم الازمات، التي تعيشها تركيا اردوغان. وقادم الايام سيفضح اوراقا جديدة من مثالب ومساوىء الاتفاق التركي الاسرائيلي.
تركيا تنحاز لمصالحها: بقلم عمر حلمي الغول
29-06-2016
مشاهدة: 943
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها