لم تعد حكومة اسرائيل تستطيع التهرب. فاليوم هو آخر يوم بقي لها لتقرر ماذا سيكون الرد الاسرائيلي على تقرير القاضي بالمر الذي حقق من قبل الامم المتحدة في أحداث القافلة البحرية التركية. وهذه فرصة اخرى للجمهور في اسرائيل ليعلم ماذا تستطيع مجموعة أذهان المجلس الوزاري المصغر والسباعية والحكومية انتاجه. هل سنرى أمامنا كومة من الأقزام ما يهمهم هو أن يقضي بعضهم على بعض من جهة سياسية تحت غطاء المصالح القومية، أم سنتبين مجموعة قادرة على الحديث بلغة السياسة والاستراتيجية العليا.
أتم القاضي النيوزلندي عمله قبل اسابيع كثيرة، ونقل مسودتي التقرير الى اسرائيل وتركيا لتنظرا فيهما. المسودة معروفة فبالمر يقضي بأن لاسرائيل الحق في الدفاع عن سيادتها وفي فرض حصار بحري وتطبيقه. هذا من جهة اسرائيل هو الانجاز المركزي الذي أفضى الى تلاشي القافلة البحرية الاخيرة. وعرض الاتراك في المقابل على القاضي سلسلة صور فيديو وتحليلات تقارير طبية تبرهن في ظاهر الامر على انه استعملت قوة غير معقولة لوقف القافلة البحرية.
غدا ينقضي الاجل المسمى. يجب على الطرفين ان يجيبا القاضي أنهما توصلا الى صيغة مشتركة وأحرزا مصالحة – أو لا.
بدأ الطرفان يجريان مفاوضة بشأن قتلى "مرمرة" بعد القافلة باسابيع معدودة. كان المبعوث المركزي الذي تنقل في ذلك الوقت بين أنقرة والقدس هو روبرت فاكسلر وهو سناتور امريكي سابق لكن الاتراك لم يريدوا السماع عن أية مصالحة وعن المال ايضا. واقترحت اسرائيل انشاء صندوق دولي ليهود اثرياء يعوضون عائلات القتلى لكن الاتراك ارادوا شيئا واحدا فقط هو الاعتذار الرسمي.
فشل فاكسلر ومبعوثون آخرون بعده. وظلت علاقات الدولتين تتدهور بصورة غير تناسبية، الى أن صدرت مسودات بالمر، آنذاك فقط ادرك الاتراك انهم في مشكلة مع القانون الدولي، وصرخوا تأييدهم عن القافلة البحرية الجديدة وعادوا للحديث عن مصالحة. وتركيا الان مستعدة لاعادة تطبيع العلاقات وسحب جميع الدعاوى القضائية على جنود الجيش الاسرائيلي بشرط أن تعبر اسرائيل في التقرير النهائي للقاضي بالمر، بصيغة لم يتفق عليها بعد عن نوع من الاعتذار.
ان ما يهم الاتراك هو ان تظهر كلمة اعتذار. وما يهم اسرائيل الا يفهم أن اسرائيل تتحمل مسؤولية عن الحادثة وتعترف بعدالة طريقة الشاغبين فوق مرمرة، والا تنشر تركيا الصور الفظيعة والا تتوجه الى المحكمة الدولية والا تصدر أوامر اعتقال لضباط الجيش الاسرائيلي. فقدت اسرائيل حتى الان الاعتذار كي لا تمس بأحقية محاربي الجيش الاسرائيلي، واليوم أتى هذا الشكل من الاعتذار ليحميهم من الدعاوى القضائية.
ان تركيا تريد بعد كل شيء، مثل اسرائيل ان تنزل عن الشجرة. لن تعود العلاقات كما كانت، لان أردوغان يؤمن ايمانا كاملا بان حماس هي حركة أخت لحزبه، لكن تركيا هي وريثة مصر باعتبارها قائدة العالم السني. لم نلعق العسل مع مصر أيضا لكن كان ثمّ عنوان للحوار في حالات الازمات وكانت مصالح مشتركة.
للدولتين غير قليل من المصالح الاستراتيجية المشتركة في الشرق الاوسط. وتركيا ما تزال محتاجة الى اسرائيل باعتبارها باباً الى الادارة الامريكية. ان علاقاتها باسرائيل تجعلها جسرا بيننا وبين العالم العربي وتقوي هيمنتها على المنطقة. واسرائيل من جهتها لا تستطيع ان تلغي علاقاتها باهم دولة مسلمة في المنطقة في الوقت الذي تتزعزع فيه مرساتها في مصر والاردن.
ليس الوزير يعلون وحده – الذي يعارض كل اعتذار – أجرى اتصالات بالاتراك. فقد كان رئيس القسم السياسي الامني في وزارة الدفاع اللواء (احتياط) عاموس جلعاد أيضا، في تركيا في الاونة الاخيرة. وقد عاد مع توصيات تعاكس توصيات يعلون. فيجب على الحكومة الان أن تقرر أتريد ان تكون على حق طول الطريق الى العزلة الاقليمية والدولية أم تريد أن تكون حكيمة وان تقفز فوق هاوية اخرى في حربنا من أجل البقاء.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها