عندما انطلقت الثورة الفلسطينية جعلت قاعدتها الرئيسة هي تمثيل إرادة الشعب العربي الفلسطيني بقيادة مستقلة غير تابعة، ذات عقل وحدوي ترتبط وتتعاون وتنسق مع الأمة العربية، إذ لا تحرير إلا في مركب الكل وقطار العروبة وبطليعة فلسطينية مناضلة مثقفة.
ولما كانت الثورة فعلا نقيضا للظلم والاستبداد والدكتاتورية والقمع والفساد فلقد دعمت حركة فتح والثورة الفلسطينية الكثير من الحركات الشعبية الثورية العربية وغير العربية وفتحت ذراعيها للكتاب والمثقفين والأدباء والمفكرين المضطهدين في بلدانهم ما دام هاجس الحرية و فلسطين وتحريرها هو الهدف الجامع .
ان تناقضات السياسة لم تكن يوما من الأيام لتعكس ذاتها على المثقف والكاتب والأديب انحيازا أو تواطؤا أو تغطية على نظام سياسي أي كان هذا النظام، لأن القيم التي تحكم هنا هي قيم الثورة والنضال المتماهي مع الحرية والعدالة والديمقراطية والإنسانية.
المثقف والكاتب المنصف والأديب الشاعر لا يقبل مطلقا بظلم او استبداد أو انتهاكات العصابات الإرهابية أو النظام أو السلطة -أي نظام وأي سلطة- التي تضع نفسها مع القضية، ولكنها تقف في خندق المواجهة معنا، أو مع شعبها، ومع القيم .
إن المثقف هو ضمير الأمة وعين الناقد لممارسات النُظم عامة، فهو نبض الشارع وقلب الجماهيروالمعبر الرئيسي عن نمط الحياة الانسانية بالتعددية بحرية وكرامة وانسانية .
في مثل هذا السياق نفهم متى يلتقي السياسي مع المثقف، ومتى يفترق حيث تجمعهما القضية والمبادئ، وقد تفرقهما المصالح وتقدير الموقف.
لذا فإن الزيارة التي قام بها وفد اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين إلى النظام السوري لا تعبر مطلقا عن الاتحاد فهي تشكل تأييدا لنظام كان وما زال يشكل حالة إرباكية وتشويشية وصعبة البلع في التاريخ والمسار الفلسطيني، فنظام حافظ الأسد (التقدمي كما كان يصف ذاته) الذي التقينا معه كثورة فلسطينية في مواضع اختلفنا معه في أخرى ، لكننا كفلسطينيين ومن وجهة نظر الواقع الجماهيري والمثقف نقف مشدوهين أمام حجم تخبطاته وخطاياه وجرائمه التي طالت القضية الفلسطينية لسنوات، ولم تنتهي من محاولات الاستيلاء على القرار الوطني المستقل الى محاولات اغتيال ابو عمار وابوجهاد إلى قتل وتشريد وسجن عديد من قياداتنا الفلسطينية وصولا الى حروب المخيمات ومئات الشهداء، ومؤخرا قبل الثورة السورية عام 2011 في دعمها لفصيل "حماس" بمحاولاتها التخريبية لإنشاء إطار موازي أو بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ظل ياسر عرفات زعيم الأمة رحمه الله حتى وهو في حصاره المشؤوم في فلسطين الذي سبقه حصارات النظام السوري لثورتنا في أكثر من موقع وموقف وحدث رافضا الغفران لهذا النظام، وهو ما جاء في إطار نظرنه الثاقبة لنظام لا يميز بين قمع المقاومة الفلسطينية في مراحل عدة أو احتوائها أو تجاوزها وبين قمع شعبه وإذلاله وتحطيمه.
هذا النظام الذي لم يكلّ لأكثر من 40 عاما حتى الآن من التآمر على الثورة والقضية، رغم تجاوزنا لكثير من خطاياه في عديد من المراحل ورغم محاولاتنا كثورة فلسطينية إغلاق ملفات الماضي إلا أنه يمعن في ما اعتاد عليه.
إن الكيان الإسلاموي الإرهابي ذاته (داعش) الذي تشكل في سوريا والعراق ما كان إلا الوجه الآخر للعملة، فهو أنشيء بدعم النظام السوري-وغيره- فارتد على نحره، وكان نتاجا طبيعيا لدموية النظام ضد شعبه، ولمن يعتقد بانتهاء عهد ظلم وقمع وتآمر هذا النظام، أو لمن طاب له من المثقفين أو الجماهير أن يصفح عن هذا النظام أن يسأل مناضلينا عن أيام القتال أوالسجن الرهيبة، وله أن يسال قوافل الشهداء في سوريا أو ملايين المهجرين اليوم .
نعم نحن لا نتدخل كثورة فلسطينية في شؤون الدول الأخرى ما داموا لم يتدخلوا في شؤوننا، وهذا ما لم يحصل قط من النظام السوري الذي خاض ضدنا -كما خاض النظام الليبي والعراقي في فترات من التاريخ- معارك الهيمنة والسيطرة والقمع، فخضنا معارك (القرار الوطني الفلسطيني المستقل) المستمرة حتى اليوم.
أما بشأن الكاتب والأديب والمثقف فإن من واجبه أن يقف على مسافة من السياسي حين تأخذ السياسي مصالحه السياسية أو الحزبية بعيدا، وعلى المثقف أن ينتصف للحق وقيم الشعوب في الحرية والعدالة والتعددية والديمقراطية ضد ممارسات الإرهاب والقمع والبطش لأي نظام .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها