اثارت خطوة التحالف الكردي السوري اعلان قيام الفيدرالية  "روج آفا " في المنطقة الممتدة على مساحة ٤٠٠ كيلو من حدود لواء اسكندرون وصول للحدود العراقية والايرانية الشماليتين  المتزامنة مع القرار الروسي بتخفيض القوات العسكرية العاملة في سوريا والمعروفة ب (( عاصفة السوخوي )) الجوية والبرية ، التي اطلقتها الحكومة الروسية المفاجئة ، عددا من التساؤلات على الرغم من اعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، ان هذا التخفيض جاء نتيجة لتحقيق هذه الحملة اهدافها العسكرية والسياسية ، وكذلك التأكيد ان هذه القوات ستتابع عملياتها المعتادة على الارض حتى تحقيق الانتصار النهائي على الارهاب الداعشي ، وكذلك افساحا" في المجال امام انطلاق المفاوضات السورية - السورية ، وهذا الامر ما كان ليحصل لولا تفاهمات اقليمية ودولية بما فيها التوافق مع الادارة الاميركية على كثير من الخطوط التكتيكية والاستراتيجية المتعلقة بمستقبل المنطقة برمتها انطلاقا" من سوريا

وانطلاقا" من الادراك بان للحكومة والقيادة الروسية لها حساباتها المختلفة عن الحسابات والمخططات الاميركية  الساعية لتقسيم المنطقة على اسس مختلفة عما هو الواقع الحالي الذي كان ثمرة لاتفاق سايكس - بيكو والذي ترى فيه الادارة الاميركية لم يعد يلبي مصالحها الاستعمارية الجديدة . والتي تلتقي بالاهداف الصهيونية في رؤية المنطقة مفتتة على اسس طائفية ومذهبية وعرقية ، وهو ما يسهل عليها اعلان يهودية دولة احتلالها لفلسطين وبالتالي استكمال اقتلاعها للشعب الفلسطيني من ارضه ، والتخلص من الضغط الدولي في مشروع اقامة الدولتين الذي يشجعه معظم دول العالم وهو المشروع الاميركي اصلا" . 

وهذا المخطط يلتقي مع الحلم التاريخي للاكراد الذين لا يتركون   مناسبة او تطورا" دون ان يستغلوه للتسويق لهذا المشروع (( الحلم )) وهذا ما دأبت عليه القيادات الكردية والذي بلغ ذروته  بعد اسقاط الدولة العراقية  الذي جاء بدوره  اثر اسقاط النظام العراقي وحكم الرئيس صدام حسين الذي استطاع الحفاظ على وحدة وتماسك الاراضي العراقية ، وادخال العراق في اتون حروب مدمرة تفوح منها رائحة الطائفية والمذهبية ليصبح بعدها تقسيم العراق مسألة وقت . وهذا الامر مازال خطرا" لم تستطع الحكومات والقيادات التي خلفت النظام السابق التصدي لهذا المخطط نتيجة للعديد من الاسباب وبعضها تساوق بعض هذه القيادات مع هذا المخطط التي وقفت في وجه الكثير من محاولات الاصلاح والفساد الذي عشعش في جسم الدولة ومؤسساتها، وهي نفسها التي عملت على تنفيذ المخطط الاميركي الذي بدأ بتنفيذه (( الحاكم الاميركي )) بريمر الذي سعى ومنذ اللحظة الاولى للاحتلال الاميركي للعراق  والذي كان من ابرز انجازاته تفكيك الجيش العراقي الذي كان الحصن الاول والاخير لوحدة العراق ، اضافة الى اعادة صياغة مؤسسات الدولة (( الجديدة )) على قياس المخطط التقسيمي المرسوم في الدوائر الاميركية - الاسرائيلية والتي وصلت حاليا الى مرحلة متقدمة من الانهيار والتفكك.

 وابرز حالاتها الانهيار السياسي الذي لم تنفع معه كل محاولات الاصلاح  على الرغم من انتاج ادوات جديدة ، وكذلك الانهيار الاقتصادي الناتج عن سياسات افسادية مبرمجة ومدروسة بعناية وبتخطيط مقصود واضح الاهداف والمرامي ، والذي وصل حاليا" الى درجة افتقاد المجتمع العراقي لابسط نواحي الحياة من نقص في المواد الغذائية والمياه والكهرباء وبطبيعة الحال البترول ومشتقاته والمتعدد الاستعمالات سواء للقطاعات الصناعية او حتى المخصصة للاستهلاك المدني والمشاريع الزراعية، ولعل ما اعلنت عنه حكومة حيدر العبادي في سياق محاولاتها الاصلاحية  ، من عقبات كأداء تقف كالجدار الحديدي  في وجه الاصلاحات وهي مشاكل ورثتها حكومته من الحكومات التي سبقتها وخصوصا حكومة نور المالكي التي بلغت معها درجة الانهيار الى مستويات يصعب معها تطبيق اي مخططات اصلاحية منشودة، ابزرها المستويات الاقتصادية والتي كان ابرزها ضياع وسرقة المليارات من الدولارات دون ان يعرف احد اين ذهبت، ولا في أي خزائن استقرت، او كيف صرفت باحسن الاحوال، وهي ازمة تعتبر العقبة الحقيقة التي تقف حاليا في وجه حكومة العبادي والتي تستعد لاجراء العديد من التعديلات الوزارية تحت وطأة الازمة الاقتصادية واهمها:

 تخفيض عدد الوزارات من ٢٢ وزارة الى ١٨ بحيث يشمل دمج وزارات وعلى رأسها الوزارات ذات المردود المالي، كما تشمل خطة العبادي استرداد القروض الممنوحة وخصخصة  عدد من المشاريع  والمصانع الكبرى مع علمه بان هذه الخطوات لن ترى النور دون ارضاء القوى والكتل السياسية.  على الرغم من تأكيد حكومة العبادي بانها تواجه  مشاكل حتى في دفع رواتب الموظفين حتى في ظل مواردها الناتجة عن تصدير النفط والبالغة ٦٠ مليار دولار لتغطية الموازنة البالغة ٩١ مليار دولار اي بعجز ٣١  مليار دولار ونمو للاقتصاد يساوي صفرا بالمئة ووجود الاف الشركات الحكومية المعطلة وغير المنتجة

وهذا الامر ادركته القيادات الكردية التي استطاعت وبدعم اميركي واسرائيلي واضح في الانفراد بالقسم الشمالي من العراق وبالتالي الاعلان عن مايشبه الكيان الخاص الذي يمهد في نهاية المطاف لقيام الدولة الموعودة والممتدة من الشمال الايراني والعراقي وصولا الى شمال سوريا الذي تبلغ مساحته لوحده مايقارب ال ٤٠٠ كلم طولا وبعمق يتراوح مابين ٢٠- ٣٠ كلم عرضا" اي بمساحة تقريبة ١٠٢٠٠ كلم اي اكبر من مساحة لبنان على سبيل المثال ليلتقي مستقبلا" مع العمق العراقي والايراني وكذلك مع جزء من جنوب تركيا

وما حدث في كردستان العراق من اعلان عن المؤسسات المرتبطة بممارسة السيادة المنفردة  ومنها الجيش الخاص والعلم وعمليات تصدير البترول وعقد الاتفاقيات مع العديد من الدول وعلى مختلف الصعد لم تعد خافية على احد ولعل الاتفاقيات السياحية مع العدو الاسرائيلي والتي تم بموجبها انشاء مؤسسات وشركات على رأسها ويديرها شخصيات وقيادات من الجيش احيلت للتقاعد ، وهذا الامر وصل حتى بيع اسرائيل للعديد من المواقع السياحية والزراعية بدأت بالتحول الى مستوطنات تشبه تلك التي تنشئها سلطات الاحتلال في فلسطين . وكل ذلك تم بعيدا عن اعين السلطات العراقية المركزية تحت ستار السلطات الممنوحة طبقا للنظام الفدرالي المعلن هناك ، والذي تم الاتفاق حوله تحت ستار تعابير لا مركزية مختلفة تصب في النهاية لتحقيق الهدف النهائي لتقسيم علني للعراق

ويبدو ان الاكراد  يكررون اليوم نفس المفاهيم تحت ستار التسويق لاقامة نظام فدرالي بعيدا" من انظار النظام والحكومة المركزية والحديث عن المحافظة على وحدة الارض السورية ليس الا خدعة مكررة لما تم في شمال العراق ، بطريقة مخالفة للاعراف والمفاهيم ، فهل يجوز تقسيم وطن تحت  ستار الفدرالية الذي يعتبر مقدمة لاعلان الانسلاخ عن الدولة الام والتحلل من نظامها الموحدة ، وهو امر في النهاية يصب خانة ما يطبخ لكل المنطقة وليس سوريا والعراق لوحدهما في الدوائر الاميركية - الصهيونية   والتي اصبحت معروفة الاهداف والمرامي ، بعدما كشف عنها العديد من السياسيين الاميركيين والاسرائيليين ضمن فلسفة الشرق الاوسط الجديد