الون بن مئير العراقي الاصل من اتباع الديانة اليهودية، نشر مقالة في 19 شباط الحالي، دعا فيها إلى "إقامة الدولة السنية في العراق، وكيان مستقل للاكراد". كأن بن مئير يريد تصفية حساب مع العراق الشقيق. بدل الدعوة للحفاظ على الدولة الواحدة، "وفاء" لتاريخ ارتباطه بالوطن الام، الذي ولد به عام 1937. ولكن الكاتب الاسرائيلي الصهيوني، الذي حاول تمييز نفسه، بانه من انصار الدعوة للسلام، والداعمين لمبادرة السلام العربية، ذهب الى حيث تتناغم رؤيته مع خلفيته الفكرية الكولونيالية، وليعمم سياسات المراكز الاميركية التي يعمل بها: مركز الشؤون العالمية بجامعة نيويورك، ومعهد السياسات العالمية.

ومما جاء في مقالة بن مئير، التي تنضح من المخطط الاميركي الاسرائيلي، الهادف لتقسيم شعوب ودول الامة العربية: "احد الشروط الرئيسية لهزيمة "داعش" في العراق، وتحقيق الاستقرار في البلاد، هو إنشاء الدولة العراقية السنية المستقلة جنبا إلى جنب مع الحكومة الشيعية الحالية وكيان كردي مستقل." ولم يكتف بالسقوط في شرك تضليل الذات، والغرق في مستنقع معاداة العرب، بل يتابع في تنصيب إدارة اوباما مرجعية للسنة والتفاوض باسمهم، فيقول: "يجب على إدارة اوباما ان تبدأ في التفاوض مع الحكومة الشيعية في بغداد حول الوضع المستقبلي لاهل السنة في العراق".

بالتأكيد ليس الصحفي الاسرائيلي، هو اول من دعا لاعادة تقسيم المقسم العربي، ولكنه يمكن ان يكون من الاوائل، الذين تهافتوا في الانحدار إلى ادنى درجات الانحطاط في الاسقاط الرغبوي بهدف تمزيق وحدة الشعب والدولة العراقية العربية، حين يدعي بفجور منفلت من كل معايير العقل والتحليل المنطقي، من اجل هزيمة "داعش" فإن احد شروط ذلك، هو "إنشاء الدولة العراقية السنية وكيان كردي إلى جانب الحكومة الشيعية"؟؟ اي إفلاس سياسي هذا، واي هذر وشطط ما يدعو اليه مئير؟

لكن لا تستقيم المحاكمة العقلية العلمية لمنطق دعاة تمزيق وشرذمة شعوب ودول الامة العربية، التي يقف العراق الشقيق في رأس القائمة مع مصر وسوريا، لأن هدف كتابتهم الاساسي إسقاط إرادوي لتوجهات صناع القرار في الولايات المتحدة الاميركية ودولة التطهير العرقي الاسرائيلية ومن لف لفهم من العرب والعجم والاتراك، الذين عملوا، ومازالوا يعملون لتحقيق هدفهم في إقامة الشرق الاوسط الجديد، لتسييد إسرائيل المارقة عليه.

وفي محاولة تضليلية للقاريء العربي، ولتعميق الشرخ بين ابناء الشعب العراقي بمكوناته القومية والدينية، ولشحن العرب من اتباع الطائفة السنية، يقول الون بن مئير: بعد ان فقد السنة هيمنتهم "على العراق للشيعة في عام 2003 بعد 81 عاما من الحكم المتواصل." فانه لا يجوز لهم القبول بالهزيمة التاريخية امام "الشيعة"، وبالتالي عليهم الخروج إلى "الدولة السنية المستقلة" وتمزيق الدولة العراقية إلى ثلاث دول، وعليهم "السنة" ان يسلموا راية التفاوض لادارة اوباما؟ على اي اساس؟ وما هو المنطق في ذلك، سوى المنطق الاستعماري التفتيتي؟

لمحاربة "داعش" والمنظمات التكفيرية يتوجب على العراقيين والسوريين والعرب عموما، التصدي لتلك الجماعات وخيارها التمزيقي، لانها ادوات اميركا واسرائيل ومن تساوق ويتساوق معهم. وتطهير الشعوب العربية من ادرانها، ومن القيادات السياسية، التي تتعامل معها بغض النظر عن هويتها وخلفيتها الفكرية السياسية. ولا يمكن للعرب من إعادة الاعتبار لوحدة دولهم وشعوبهم دون تصفية تلك الجماعات التكفيرية والمارقة، والتي تعمل وفق الرؤية البرنامجية الاميركية، وعدم تسليم الرقبة العربية بشكل عام او خاص للتقرير في مصيرها. لانها لا يمكن ان تعمل في صالح وحدة العرب دولا وشعوب.