شهد الأسبوعان الماضيان جملة من المواقف الاوروبية غير الايجابية تجاه مسألة وسم بضائع المستعمرات الاسرائيلية. فالحكومة البريطانية اتخذت أجراءات ضد المقاطعة. وعندما حاول وزير شؤون الشرق الاوسط البريطاني، توباس إلوود توضيح موقف حكومته فَّسر الماء بالماء، وقال "المقصود مما اعلن عن معارضة الحكومة لوسم البضائع المنتجة في المستعمرات، لانها لا تريد ترك الامور للمؤسسات الخاصة، بل تريد قيام الحكومة بذلك؟". وكانت خمس دول اوروبية منها اليونان وقبرص، اتخذت سابقا مواقف مناهضة لوسم تلك المنتجات. وايضا الحكومة الالمانية ممثلة بالمستشارة ميركل، تساوقت مع ذات المواقف، واعلنت في مؤتمر صحفي مع نتنياهو عن تراجع عن دعم التسوية السياسية. واعلنت صراحة "ان الوقت غير مناسب للمفاوضات الان عن حل الدولتين" ولمزيد من التساوق مع رؤية حكومة اليمين المتطرف، دعت "للحل الاقتصادي" من خلال تقديم تسهيلات للفلسطينيين في المجال الاقتصادي.

ما تقدم يظهر بشكل واضح ان هناك تراجعا غير ايجابي، ويسيء لمواقف دول الاتحاد من عملية السلام، ونكوصا سلبيا، يعكس تساوق تلك الدول مع سياسة الائتلاف اليميني الاسرائيلي المتطرف الحاكم، الذي شن حملة مسعورة وحثيثة وعلى اكثر من مستوى وصعيد مع كل الدول والمؤسسات والمنابر الاوروبية.

ولو توقف المرء أمام الموقف البريطاني، وطرح السؤال على الوزير توباس إلوود وحكومته، لماذا وضعت بريطانيا الموقف الرسمي في تناقض مع ما اتخذته المؤسسات الخاصة؟ ولماذا لم تتقدم الحكومة لتتطابق مع مواقف الشركات والمؤسسات الاهلية؟ ولماذا تصدر المواقف المتناقضة معها؟ وهل الموضوع يحتاج إلى كل هذا الوقت؟ واين مسؤولية بريطانيا تجاه دورها التاريخي في نكبة الشعب الفلسطيني؟ ولماذا التلكؤ؟ وهل يكفي الحديث عن عدم شرعية المستعمرات؟ وما هو انعكاس ذلك في السياسة الرسمية للحكومة البريطانية؟ والشيء بالشيء يذكر، فإن مواقف المانيا تطالها نفس الاسئلة وإن اختلفت نسبيا الاسباب، التي حكمت حكومة المستشارة ميركل، حيث مازالت عقدة المحرقة (الهولوكست) تطارد القيادات الالمانية من مختلف الاحزاب والقوى. والى متى ستبقى سيدة اوروبا الاقتصادية أسيرة تلك المحرقة؟ ألا يكفي ما قدمته المانيا من تعويضات مالية وعسكرية لدولة التطهير العرقي الاسرائيلية منذ خمسينيات القرن الماضي حتى الان؟ ولماذا تضع التسهيلات الاقتصادية في تعارض مع الحل السياسي؟ ولماذا ترتفع الاصوات الاوروبية الان في الوقت الذي تقدمت فيه فرنسا بافكار لعقد المؤتمر الدولي لدفع عملية التسوية للامام؟ وما هي مصلحة اوروبا في التراجع عن الموقف الاوروبي الجامع؟

يدرك المراقب جيدا، ان ما يحكم مواقف الدول من هذه المسألة او تلك، هو مصالحها وحساباتها الخاصة وارتباطاتها السياسية والاقتصادية. ولكن أليس النكوص عن إلزام إسرائيل بدفع استحقاقات عملية السلام، يعود بالسلب على دول اوروبا مجتمعة ومنفردة؟ أو ليس معنى ذلك، ترك يد إسرائيل الطولى لتنهب وتهود وتصادر الاراضي الفلسطينية وتضاعف عمليات البناء في المستعمرات المقامة في الضفة عموما والقدس خصوصا؟ وألآ يعني ذلك إغلاق باب الامل امام الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية؟ وإلى متى؟ إلى ان تنتهي حكومة نتنياهو من تنفيذ مخطط الترانسفير وتصفية خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟ وألآ ينتج عن ذلك دفع الاتجاهات المعارضة لخيار السلام، باللجوء لخياراتها المشروعة للدفاع عن رؤيتها وبرنامجها؟

مع ذلك على الكل الفلسطيني، ان يدرك، ان العالم يحتاج إلى إسماعه الصوت الفلسطيني كما يجب ويليق باللحظة السياسية، كي يراجع قادة اوروبا واميركا وغيرهم أنفسهم، ويعودوا إلى جادة الصواب وإنقاذ عمليات السلام من مخطط نتنياهو التصفوي. مطلوب رؤية وحراك واليات عمل مغايرة ليدرك المتراجعون خطورة سياساتهم على عملية السلام والامن الاقليمي والدولي.