النهوض بوعي مطلق مجتمع، يعتبر الحامل الاساسي لنقله من حالة لاخرى. والعكس صحيح، انغلاق الوعي، وإخضاع اي مجموعة بشرية لمساقات دينية وفكرية سياسية محددة، وتكثيف عمليات غسل الدماغ، يبقي تلك الجماعة أسيرة المعارف والسلوكيات الناجمة عنها بغض النظر عن النتائج، التي تتمخض عنها. إلا إذا تمكن نفر منها بالخروج من دائرة القابضين على تلك المساقات، بحثا عن الذات والآخر في عالم اوسع وأعمق.

المجتمع الاسرائيلي الواقع تحت تأثير عمليات تضليل ديني وفكري سياسي، يخضع لاقانيم الطغم الصهيونية الكولونيالية، المدعومة من الغرب الرأسمالي وخاصة الاميركي. مع ان الغالبية العظمى، تعلم انها جاءت من دول وبلدان وقوميات مختلفة، ولا تربطها بالارض الفلسطينية العربية أي رابط. إلا انها بحكم الاستفادة من العملية الاستعمارية، التي وفرت لها الارض والبيت والمزرعة المجانية، ومن ثم المؤسسة والمصنع والجيش المجوقل والراتب المميز في ظل حماية رأس المال العالمي، وفي المقابل ضعف العامل الفلسطيني والعربي، لا بل تواطؤ بعض الاشقاء على أكثر من صعيد ومستوى، وتساوق القوى الدولية الاخرى مع الغرب في اعقاب الحرب العالمية الثانية، ثم تعزز مكانة الدولة الاسرائيلية الاستعمارية في جيوبوليتك العالم العربي، عبر انتصاراتها على الجيوش العربية في الحروب المختلفة، دفع اليهود الصهاينة لقبول التضليل، والتناغم معه، وخلق ركائز سياسية وثقافية له.

هذا الواقع بحاجة إلى التعاطي المبدع معه، بهدف تفكيك الاستعصاء الاسرائيلي الاستعماري، وإحداث نقلة نوعية في الوعي الجمعي الاسرائيلي؛ لخلق مناخ ملائم لتحقيق الاهداف السياسية المرادة: اولا- داخل المجتمع الاسرائيلي، بايجاد روافع حقيقية لبناء دولة بكل مواطنيها. ثانيا- إزالة الاحتلال وصناعة السلام العادل والممكن والمقبول فلسطينيا. ثالثا- تعميم واشاعة السلام في عموم دول وشعوب المنطقة والعالم. رابعا- تجفيف منابع الارهاب، لصيق الصلة بدولة الارهاب الاسرائيلية المنظم بخلع جذور الاحتلال البشع.

ولاحداث النقلة الشجاعة والكيفية في الوعي داخل المجتمع الاسرائيلي، لا يجوز الاكتفاء باللقاءات بين الفلسطينيين والاسرائيليين الديمقراطيين. التي على اهميتها وضرورة مواصلتها، إلا انها تحتاج إلى ميكانيزمات واهداف محددة، لتتجاوز الطابع الشكلي القائم، ولادخالها مرحلة الفعل المنهجي والمنظم. ولتحقيق ذلك: اولا- الجهد الاساسي مطلوب من كل ديمقراطي إسرائيلي يهودي بالعمل على التالي: 1- إيجاد إطار جامع لهم داخل المجتمع الاسرائيلي. 2- وضع برامج عمل جدية وفاعلة في الميادين المختلفة لمواجهة برامج الحكومات الاسرائيلية والاحزاب الصهيونية، بمشاربها ومدارسها المتعددة التضليلية، وانتهاكاتها الخطيرة. 3- تشكيل النموذج الايجابي لاستقطاب قوى اجتماعية وسياسية جديدة. ثانيا- تقع مسؤولية على ابناء الشعب الفلسطيني في داخل الداخل للاندفاع بهجوم المساواة والسلام من خلال: 1- التوجه للاسرائيليين اليهود والتواصل معهم إن كان عبر التجمعات السكنية والتجاور او في حقل العمل او حتى في الحدائق والمواصلات العامة. 2- طرح القضايا الاجتماعية والسياسية لمواطني الدولة الاسرائيلية في المنابر المختلفة وخاصة الكنيست من قبل نواب القائمة المشتركة او عبر وسائل الاعلام وفي المظاهرات والتجمعات ذات الصلة. 3- تشكيل نموذج متقدم في مواجهة النزعات والممارسات العنصرية الصهيونية. ثالثا- على لجنة التواصل التابعة لمنظمة التحرير مهام عميقة الصلة بجهود الفئتين السابقتين: 1- تنظيم وتكثيف عمليات التواصل مع مكونات المجتمع الاسرائيلي من ابناء جلدتنا، اشقائنا الفلسطينيين ومع الاسرائيليين بكل تلاوينهم دون استثناء. 2- تنظيم الفعاليات واللقاءات والورش في حقول الحياة المختلفة، وتقديم الخطاب السياسي العقلاني، ومناقشة الحجة بالحجة العلمية لدحض الكذب والتزوير الصهيوني. 3- تنظيم جولات للاسرائيليين على المستعمرات الاسرائيلية المقامة على اراضي الدولة الفلسطينية المحتلة، وتبيان مخاطرها السياسية على عملية السلام والمساواة داخل إسرائيل من خلال إقران ذلك بالمعلومة والوثيقة المدققة.

هذه وغيرها من الجهود في حال توفر لها: اولا- البرامج. وثانيا- اليات العمل المنظمة. ثالثا- الامكانيات المادية والمعنوية. ورابعا- الدعم الاقليمي والدولي. خامسا- ربطها باشكال النضال الشعبي والدبلوماسي السياسي والاقتصادي والثقافي، فإنها بالضرورة ستحدث اختراقا حقيقيا في جدار الوعي الاسرائيلي. فهل نشرع بالعمل المنظم دون تردد ووجل؟