خاص/ مجلة القدس- حوار: غادة اسعد
هنري اندراوس ممثل ودراماتورج ومدرب تمثيل، من مواليد ترشيحا، متزوج من منى، ويحمل شهادة البكالوريوس في التمثيل والإخراج من جامعة حيفا. مِن مؤسّسي مسرح أنسمبل خشبة، حاز على جائزة أفضل ممثل في مهرجان عكا للمسرح الآخر العام 2012، عن دوره في مسرحية "سم الزعتر" وهي من تأليف علاء حليحل وإخراج فراس روبي.
في العام 2013، مثّل في مسرحية "شرق أوسط جديد" الحائزة على جائزة أفضل عمل مسرحي في مهرجان مسرحي (الذي يُقام في مدينة عكا في كل عام).
هنري هو "عطية" في العمل المسرحي 1945، وهو أيضًا "وليد دقّة" في الزمن الموازي، ووليد دقّة - أسير فلسطيني محكوم عليه بالمؤبَد، وهو متزوّج من سناء سلامة، وطوال الوقت تتمنّى العائلة الإفراج عنه في إحدى الصفقات التبادلية مع إسرائيل، دقّة لم يخلُ بزوجته، ويتمنى إنجاب طفلٍ، وهو أملٌ يعيش معه طوال سنين حياته التي قضاها في السجن، ويؤمِن دقّة أنّ الأمل قابلٌ للتحقق، مهما طال الزمن أو قصُر.
وهكذا جسّد هنري شخصيتَي "عطية"، و"دقة"، بينما استمتع المشاهدون الذين تابعوا المسرحية التي عُرضت بالأساس في مسرح الميدان في حيفا، حتى أنهم ما عادوا يميزون بين دقّة الأسير وهنري الممثل.
وخلال لقائي به مؤخّرًا، أجريتُ معه هذا الحوار لمجلة "القدس" للوقوف على رؤيته للمثل والمسرح وابرز أعماله النخبوية.
ما الذي يصنع العلامة الفارقة بين الممثلين؟
ما يميّز الممثل الفلسطيني عن غيره في العالم، هي القضية أو الهم الذي يحمله، وكأنّ الممثل الفلسطيني يحمل عبئين، العبء الشخصي وعبء المسيرة الشعبية، الاجتماعية، وبالنتيجة فإنّ هذا العمل هو مادة خام ومشبّعة، مقارنة بممثلين أوروبيين – على سبيل المثال – هؤلاء الذين يبحثون عن الشُهرة والأضواء، بينما يحمل الممثل الفلسطيني الجاد رسالة لا ترتبط بالجري وراء الشهرة.
كذلك فالممثل الفلسطيني يدخُل في صراع داخلي دائم طوال الوقت، وبالنتيجة يحمل كمية صدق غير موجودة لدى ممثلين آخرين. أما الشق الثاني حول العلامة الفارقة بين ممثل وممثل فيكمن في الجديّة، لذا أدرسُ في البيت، وأعملُ كثيرًا على الشخصية، حتى تتحوّل تصرفاتها مشابهة لتصرفاتي. وكل شخصية أعمل عليها، أحضرها معي إلى البيت، حتى أنّ زوجتي تقول لي أنها تحب الكثير من الأشخاص المجتمعين بي.
إلى أي درجة تنجح في تقمُص الشخصية؟
(عيش الشخصية) هو مصطلح العيش بين الواقعي وغير الواقعي. فأنا أعيش الشخصية، إلى درجة تتحوّل معي إلى مركّبة وجزء مني، في بداية الأمر أعيش الشخصية، وكأنني في مختبر، ومن المهم معرفة التعامل معها، ومع الجمهور لإيصال الرسالة، كما يجب.
وبدون إرادة تتحوّل إلى شخصية الممثل، أحيانًا أحلُم وأستيقظ لأكتُب ملاحظاتي على الصعيد الشخصي، وأنعم الله عليّ أنّ زوجتي تشبهني، ولا تحب الحياة الروتينية.
هل لك أن تخبِرنا عن أية مواقف عشتها في البدايات؟
أذكر موقفًا صعبًا عشته في البدايات، حيثُ نسيتُ نفسي في عرضٍ مسرحي، لدرجة دفعتني إلى سحب الممثلة الـمُشاركة معي، وهي مقيّدة بجنزير في رقبتها، فكدتُ أتسبّب بكارثة، ولاحقًا كتبتُ عنها وظيفة في الجامعة، في عرض "البلي بلبل"، وأوقف العرض لأربع دقائق، بينما استهجن الممثلون المشاركون وصرخوا "هنري، هنري"، وقتها مررتُ بحالة كالإغماء، وكنت مضطرًا لدراسة ما حدث معي، والتأكُد إذا ما كان الأمرُ شرعيًا، أم لا؟ وبالنتيجة وصلتُ إلى فرضيّة أنّ كل ممثل هو مريض نفسي، لكن الفرق بينه وبين مريض نفسي منفصم شخصيًا، أنّ الممثل يختار متى يمرض! ومع الوقت، فهمتُ أن الأمور لا تسير هكذا، فالمسرح فيه لعبة ودعابة، وهدفه إسعاد الناس، والتواصل مع الجميع، أثناء أداء العمل وما بعده.
ما هي أبرز أعمالك التي تصنّفها كنخبوية؟
معظم أعمالنا المسرحية نخبوية، أي أنّ جمهورها هم المثقفون، ولكن هناك حاجة إلى أعمال تخاطب جميع الشرائح، ويجب الانتباه إلى أنّ التفاعلات بين الجمهور تختلف، وكلما تقبّلنا الآخر فإننا نوجِد بيننا لُغة مشتركة، ووظيفتي كفنان وممثل أن أحتوي الجميع، حتى أوصِل ما تحتاجه جميع الشرائح، وليسَ شرطًا أن يتواصل كل شخص بنفس الطريقة، وعندما نُتابع لاحقًا المسرح بصورة كبيرة.
بالطبع أنا لا زلتُ طفلاً في المسرح الفلسطيني، علمًا أنّ الشعب الفلسطيني مرّ بأكثر من صدمة كبيرة، لأننا شعبٌ يعيش على البكائية والندب، والنتيجة جاء النص ليكون لاطمًا، ونادباً.
كيف تقيّم دورك في تجسيد شخصية الأسير وليد دقة؟
أولاً أنا أرى في كل انسان يعيش على الأرض بطلاً، فالحياة تصدمنا يوميًا، وتجعلنا نخرج أبطالاً بعد صراعٍ مع الزمن، وأجمل صورة جسَّدتها هي مشروع العود الذي أُدخِل إلى السجن، ومن خلال دراسة عميقة للأسير وليد دقةّ، تبيّن أنه يتمسك بكل أسير ينضم إلى السجون الإسرائيلية. دقّة كان يهتم بما يجري خارج الزنازين، فتعرّف على عالم الإنترنت والفيسبوك، وإدخال الموسيقى في العمل المسرحي، ليس فقط، لأنه يريد أن يحقق رغبته بالزواج، بل لأنه يعتبر الموسيقى مشروعاً، يشغل من خلاله السجناء الآخرين. هذه الرغبة تجسّدت في العمل حين قال دقّة: "السجن كالنار يتغذّى على حطام الذاكرة وذاكرتي يا مهجة القلب غدت هشيمًا وجفّ عودها أهرّبها على ورقٍ حتى لا تحترق بنار السجنِ والنسيان"، ويجب أن يبقى العقل متحركًا طول الوقت، في بعض الأحيان يحاولون تذكر الأسماء، ورسم شجرة العائلة، حتى تبقى ذاكرتهم نشِطة. أنا شخصيًا تأثرتُ بالشخصية، فطلبتُ من مصممة الملابس أن تؤمِّن لي حذاء الشخصيّة ليكون بحوزتي لمدة أسبوعين قبل العرض.
كيف تنظر إلى إقامة مسرح للأطفال في الداخل الفلسطيني؟
برأيي يجب أن يتحوّل المسرح إلى منهاج دراسي، وهكذا نزيد جمهورنا ونثقّفه ونُعِدُّ فنانين عِظاماً. ومطلوب أيضًا إقامة رابطة فنانين لضمان مستقبل الفنان في مراحل عمرية متقدمة. نحنُ بحاجة إلى رابطة فنانين، ولجيلٍ من نقّاد مسرح مهنيين، وليس لمجرد متابعة عرض، فالنقد المسرحي- دراسة تاريخ المسرح لربطه بالتاريخ والمستقبل، وأنا أعمل ما يجب أن أعمله، لكنني أدعو الآخرين لتحمّل المسؤولية. كلنا بحاجة لنقابة فنانين، وكلنا بحاجة لنُقّاد مسرحيين، ويجب ان نتطور.
هل تحمل نقدًا ذاتيًا على نفسك؟
بعد مرحلة معينة فيها الكثير من العروض والتجارب أحاسبُ نفسي على التفاصيل الصغيرة جدًا، وعلى كلمة بمونولوج، لماذا قلت هكذا وليس هكذا، وتصبح نوعًا من أنواع المتعة الرهيبة، أنا أدقّق في تفاصيل صغيرة، وهذا نوع من أنواع المتعة أُجري جرداً للخطأ والصواب، بناءً على رأي الناس.
ما هي الأعمال المسرحية التي تحبها أكثر؟
أحب عمل (أصوات) وهو أول عمل لخشبة جمعنا معًا، في عمل لـ"هارولد بينتر"، وهو أول عمل أظهرُ فيه على مسرح خارج نطاق الجامعة، بصورة عمليّة ومهنيّة، ولا أستطيع ان أعود لتلك الشخصية، فالعمل كان له مكان خاص.
كيف تصف علاقتك بالسينما؟
لم أوجه طاقتي للسينما بعد، رغم أنه تصلني الكثير من العروض لكنني لم أقرر بعد، فلديّ إحساس بالانتظار، وأقول لنفسي "هنري" انتظر قليلاً. فالسينما تخيف أكثر من المسرح، يصلك نص تقرأه، لا تتحكّم به، يتحدّد بغرفة الإنتاج، المسرح سيرورة- ومباشِر، وأنا على المسرح سيد الموقف، لكن في السينما هي سيّد الموقف.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها