بات واضحًا وجليًّا لجميع المُراقبين في إسرائيل أنّ رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أخضع جميع القادة الأمنيين والعسكريين في الدولة العبريّة لموقفه القاضي بشنّ حربٍ بدون هوادة على الاتنفاق النوويّ الذي تمّ توقيعه بين إيران والدول العظمى.

وبناءً على ذلك يُمكن القول الفصل إنّه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ضدّ الاتفاق النووي مع إيران، ويُلخّص هذا المفهوم واقع الاستخبارات العسكرية التي تطمس بعض الأصوات داخلها وتتعارض تقديراتها مع ما يحاول نتنياهو تصويره عن المشهد الداخلي في إسرائيل، في ظلّ المعركة التي يخوضها ضد الاتفاق في الكونغرس الأمريكيّ.

بالإضافة إلى ذلك،، يبدو أنّ الاستخبارات العسكرية تحرص على الاصطفاف وراء نتنياهو بما يخدم أولوية المعركة التي يخوضها، وعلى هذه الخلفية، تحاول التعتيم وإسكات تقديرات ترى في الاتفاق إيجابيات نووية.

مع ذلك، يبدو أنّ هذه الأصوات المكتومة وجدت من يكشف عن وجودها في الصحافة الإسرائيلية، فقد انتقد معلّق الشؤون الأمنية في صحيفة "هآرتس"، امير اورن، الصمت المطبق لكل من رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية، هرتسي هليفي، ورئيس وحدة الأبحاث في الاستخبارات، العميد ايلي بن مئير، إزاء ما ينطوي عليه الاتفاق النووي من أبعاد.

ورأى اورن أنّهما يعملان، أيضًا، على طمس الأصوات التي تُخالف النهج الذي يسلكه نتنياهو، فيما هما أقسما على خدمة الدولة لا رئيس الحكومة. كذلك، أكّد اورن أنّ هناك في شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية، من يتبنّى تقديرات ترى الكثير من الأمور الإيجابية في الاتفاق النووي، في إشارة إلى إبعاد إيران عن إنتاج القنبلة النووية، من ثلاثة أشهر إلى سنة. وأشار إلى أنّ هذا التقدير نُقل إلى كل من رئيس الاستخبارات العسكرية، ورئيس الأركان غادي ايزنكوط ولجنة رؤساء الأجهزة، لكنه اختفى وكأنّه لم يكن، لافتًا إلى أنّ هذا الأمر غير معهود في الاستخبارات، ومتسائلاً عن قسم الرقابة الذي من المفترض أن يعرض آراء تتعارض مع ما هو سائد.
أمّا عن السبب الذي يدفع نتنياهو إلى إخفاء مثل هذه التقديرات المخالفة لتوجهه، فهي تعود إلى قلقه من نشر تقديرات استخبارية إسرائيلية، تكشف للجمهور الأمريكي والكونغرس وجود تصدعات داخل الصف الإسرائيلي الذي يحاول أن يُظهره، على نحو كاذب، على أنه موحّد في النظرة إلى الاتفاق مع إيران. ووصف اورن الضباط الذين يشاركون نتنياهو في هذه المقاربة، بأنهم يخونون مسؤولياتهم الوطنية. كما لفت إلى أنّه عندما يخفي المستوى السياسي عن الجهات المكلفة تقدير الوضع في الاستخبارات العسكرية، معلومات مصيرية تتعلق بخط تل أبيب واشنطن، فإنّ العملية برمّتها تصبح مشوهة.

مع ذلك، تابع اورن أنّ ما كان في الماضي سيكون في الحاضر، واصفًا الهيئات المكلّفة التقديرات الاستخبارية وجرى إنشاؤها في العقد الأخير (شعبة التخطيط في هيئة الأركان، وهيئة الأمن القومي) بأنها ضعيفة وصامتة. ونتنياهو الآن هو المسؤول الأول عن "الموساد"، وهو أيضًا وزير الخارجية الذي فرض على الوزارة رئيس طاقمها ومديرًا عامًّا لها. ووسع اورن دائرة انتقاداته بالقول إنّ المستويات المهنية في "الموساد" ووزارة الخارجية وكذلك في "الشاباك"، لا ترفع صوتها، فيما من المفترض أنْ تحدّد تقديراتها تأثير النزاع الإسرائيلي الأمريكي على دفع الفلسطينيين نحو القيام بخطوات دبلوماسية أو عنيفة. ورأى أنّ هؤلاء جميعًا أشخاص مطيعون، بمن فيهم رؤساء الاستخبارات العسكرية، مُطالبًا إياهم بعدم الكذب على أنفسهم ومحذّرًا من أنّ الثمن الوطني غال جدًا. وتطرّق أورن إلى 3 قضايا يجري طمسها: من هم مع الاتفاق النووي مع إيران، ومن هم ضده ولمصلحة من تميل المعادلة.

ومصير العلاقات الإسرائيلية-الأمريكية بعد مواجهة نتنياهو أوباما، إضافة إلى خسارة الأرصدة الاستخبارية وهي الخبز اليومي للاستخبارات العسكرية، لافتًا إلى أنّ نتنياهو يتنازل عنها كلّها، كي يواصل تعداد أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين الذين يفضلونه على رئيسهم. مع ذلك، قد يكون من الضروري الإيضاح، لجهة ما أورده اورن في مقالته عن التقديرات الاستخبارية التي ترى إيجابيات في الاتفاق النووي، فهي تحصر تقييمها في الجانب النووي من الاتفاق، لكنها لا تستطيع أن تنكر المفاعيل الاقتصادية والسياسية الإيجابية لإيران وحلفائها في المنطقة، مع ما قد يترتب على ذلك من تعزيز لمحور المقاومة في المنطقة.

في المقابل، لا يستطيع نتنياهو أنْ ينكر هذه الأبعاد الإيجابية الكامنة في الاتفاق، بالرغم من كونه صانعًا للقرار السياسي، الذي عادة ما تكون اعتباراته أكثر اتساعًا وشمولية من توصيات وتقديرات الجهات المهنية، كل بحسب اختصاصه. وبالتالي فهو مضطر إلى تحديد موقفه، في ظل إدراكه لكافة الأبعاد الإيجابية والسلبية التي ينطوي عليها الاتفاق، إلّا أنّ اللافت في هذا المشهد، أنّه يحاول إخفاء تقديرات مهنية، انطلاقًا من إدراكه بأنّ خصومه في الساحة الأمريكية سيسعون إلى استغلال هذا التعارض في التقدير والموقف، عبر القول إنّ موقف نتنياهو ليس هو موقف إسرائيل، والإيجابيات التي يتجاهلها، هناك من يقرّ بها، كما يفعل هو بالضبط إزاء الانقسام السائد في الساحة الأمريكيّة بشأن الاتفاق النوويّ مع إيران، على حدّ قول أورن.