أخيرا تواضعت الحكومة الاسرائيلية وردت على طلب قناصل دول الاتحاد الاوروبي، المقدم لها منذ شهر كانون الاول 2014، لعقد لقاء لمناقشة الانتهاكات الاسرائيلية المهددة لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967. وابلغت سفير الاتحاد الاوروبي، لارسن فابروغ اندرسون الاسبوع الماضي، موافقتها على اللقاء والخوض في مباحثات حول الاوضاع في الضفة والقطاع، ولكن بشروط، منها: الاول لا تشمل المحادثات البناء في المستعمرات؛ ثانيا عدم التطرق للتسوية السياسية الدائمة مع الفلسطينيين؛ ثالثا التركيز على القضايا الحياتية والموضوعات الاقتصادية.
ترافق ذلك، مع إعطاء نتنياهو الضوء الاخضر للبناء في مستوطنتي "شيلو" و"شيفوت رحيل" شمال مدينة رام الله، تساوقا مع رغبات نفتالي بينت واوري اريئيل من قادة حزب البيت اليهودي في العاشر من تموز الحالي؛ رفض سيلفان شالوم، نائب رئيس الوزراء مبادرة السلام العربية، لانها وفق رؤيته المعادية للسلام، "لا تضم الان حكاما، وحدثت تغييرات غير معروفة، التي من شأنها ان تجعل من المستحيل حتى لحكومة اقل تشددا، ان تتعامل معها بجدية". النتيجة وضعها في سلة المهملات الاسرائيلية او تشييعها ودفنها؛ مصادقة لجنة التخطيط والبناء التابعة لبلدية الاحتلال في القدس على اقامة مشروع تهويدي ضخم جديد على ارض مقبرة "مأمن الله" الاسلامية التاريخية بمحاذاة مدرسة يهودية مقامة على ارض المقبرة ... إلخ من الاجراءات والانتهاكات الخطيرة لعملية السلام.
كما يأتي الموقف الاسرائيلي في ظل تراجع الاهتمام العالمي بالقضية الفلسطينية، والتركيز على الملفات الاقليمية الاخرى، حتى ان الخطاب الاخير للرئيس باراك اوباما، لم يتعرض للمسألة الفلسطينية باي كلمة، ولم يعد في وارد اوروبا تقديم مشروع قرار لمجلس الامن لدفع عملية السلام للامام، استجابة للرغبة الاميركية الاسرائيلية، وايضا في ظل انهماك الدول العربية في همومها الخاصة، وتصفية حسابات مع دول شقيقة اخرى من خلال استخدام الجماعات التكفيرية.
الرسالة الاسرائيلية لاوروبا وسفيرها، لم تأت من فراغ، ولا لانها دولة فوق القانون فقط، بل نتيجة منطقية لمسار طويل من التآكل لروافع التسوية السياسية. ونتاج الدور الاميركي المعطل لاستخدام المنابر الاممية خاصة مجلس الامن لاصدار قرارات كابحة للاستيطان الاستعماري الاسرائيلي، ولحؤولها دون فرض العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على دولة اسرائيل، ليس هذا فحسب، بل وضعها قوانين فيدرالية لملاحقة القوى والشركات والدول، التي يمكن ان تفكر في فرض العقوبات عليها. وايضا لاستمرار حالة التشرذم والانقسام الفلسطيني، ومواصلة حركة حماس الرهان على خيار الامارة والانفصال الكلي عن الشرعية، ومد الجسور مع دولة الاحتلال والعدوان الاسرائيلية عبر بوابة الهدنة الطويلة الامد. اضف الى ضعف العامل الوطني العام، بسبب تزايد التباينات والخلافات الداخلية، ونتيجة عدم التجديد والتطوير لآليات العمل والكفاح الوطني التحرري.
حكومة نتنياهو، ماضية في خيارها التصفوي للقضية الفلسطينية، وكل ما يمكن ان تقبل به، في ظل الحالة الراهنة والعوامل المحيطة بالقضية الوطنية، هو الحل الاقتصادي، وتحسين وضع المواطنين الفلسطينيين دون ربط ذلك باي عنوان سياسي. وما لم تتغير شروط المواجهة مع اسرائيل، لن تعيد دولة الاحتلال النظر بسياساتها، وستبقى ترفض الاصغاء للصوت الاوروبي الداعم لخيار التسوية السياسية وحل الدولتين.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها