نحن أبناء الشعب الفلسطيني شعب من شعوب العالم الثالث المتخلف كما نحمل همومهم وأمانيهم فإننا نصاب بأمراضهم الاجتماعية والثورية، قالها لنا الأخ الشهيد الرمز صلاح خلف أبوأياد في عام1987 بالكويت.
كما أن الرفيق لينين شرح الثورة المتكاملة بأنها ثورة لتغيير الواقع الفاسد بمكوناته الثلاث فساد الاستعمار بالنضال العسكري والسياسي وفساد الرجعية بتصفية العملاء وغلبة المال على القيم والأخلاق وفساد ثورة بتفعيل النقد والنقد الذاتي والمحاكم الثورية ضد النزعات الفردية.
إن فصل الرغبات الثلاث داخل إي مناضل يجعله يفقد توازنه؛ فهو كما يصر على مقارعة الاحتلال يصر أيضا على تطهير المجتمع من الفئات الانتهازية التي تبني ثرواتها وتعزز نفوذها الاجتماعي على حساب الضغط المستمر للطبقات الفقيرة لاستعبادها وسحق طموحاتها، لكن يتفق الجميع على أن العدالة الاجتماعية ضرورة من ضرورات استمرار المعركة.
أما الضغط الثالث فهو من الداخل الثورة وناتج عن ضعف محاسبة المخطئين بالبداية مما يشكل مجموعات مستبدة داخل الثورة تقوم باستغلال مناصبها القيادية لأغراض المنفعة الشخصية ونشر أمراض الثورة البرجوازية فيظهر ثراء المال المسروق والفساد الإداري الذي يجعل بعض المناضلين يحقدون على هذه الفئات ويجعلونها هدفهم الأول.
وبنظرة سريعة على نهاية الاستعمار الفرنسي لفيتنام وبداية حضور الاحتلال الأمريكي فيها، فإن معدل قتل عملاء الاستعمار انخفض بمقابل صعود معدل قتل مفسدي الثورة والأثرياء الموالين للاستعمار، بينما أجّل الرفيق ماو تسي تونغ هذه المحاسبة إلى ما بعد انتصار الثورة بتغيير جذري لمفهوم الثورة المتكاملة مما جعله يفرض نظام الاقتصاد المغلق لإنجاح مخططه.
أما موضوع التكسب من خلال العمل في مؤسسات العدو المدنية فقد ميّزت ثورات ناميبيا وروديسيا بين الطبقة الفقيرة من عمال وفلاحين الذين لا يملكون قوت يومهم وهم مضطرون للعمل، بينما رفضت كل حجج التجار والفنيين المهرة بل وقامت بتصفية الفئات المهادنة للاستعمار منهم.
وفي قراءة نهج المقاطعة الاقتصادية للاستعمار نرى أن مانديلا تساهل مع الفلاحين لحين توفير عمل لهم من خلال برامج النقابات المهنية، بينما رأى غاندي أن مقاطعة العدو لا تؤثر إلا إذا كانت تعتمد على مقاطعة الأثرياء والطبقات المتعلمة، لذا فإن مفهوم الثورة المتكاملة ضرورة لإنجاح الثورة، ولم تنجح الثورة الهندية الا بفك اللحمة بين الإقطاعيين الهنود والاستعمار البريطاني.
أما الثورة الفلسظينية المعاصرة فقد بدأت بخلق المؤسسات النقابية قبل بدأ العمل العسكري، وكان نضال الفصائل ضد الوجهاء والأعيان المهادنيين والرافضين لفكرة الثورة، كما أنها اعتمدت على الدعم المالي الشعبي من الفلسطينيين وأنصار الثورة من العرب والأجانب، كما أولت قضيتي التعليم والطبابة أهمية كبرى خصوصا للفقراء.
أما الآن، فإن دور النقابات الفلسطينية انحدر لدرجة أن أثرها في صنع القرار الشعبي أصبح معدوما، نتيجة لأسباب عديدة أهمها: تفتيت الهيكل النقابي بين الفصائل التي سعت لتقوية مفهوم المكاتب الحركية المهنية، والسبب الثاني سياسات وزارات سلطة الحكم الذاتي في سحب صلاحيات النقابات وتقاسمها مع البلديات، والسبب الثالث عدم دورية الانتخابات داخل النقابات وتخفيض مخصصاتها وصلاحياتها من قبل الهيئة التنفيذية بمنظمة التحرير الفلسطينية، لكن البعض يرى أن هذا النهج الليبرالي تطور طبيعي في هيكلية الدولة، بينما يصر البعض الآخر على أنها استبداد على القرار الشعبوي وإلغاء لسلطة النقابات.
وفي ملف مقاطعة المنتوجات الإسرائيلية يتم تسريع مقاطعة السلع الغذائية، بينما يتم تجاهل مقاطعة البنوك الإسرائيلية وتصدير مواد البناء من الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات واستيراد مدخلات الإنتاج الإسرائيلية للمنشآت الفلسطينية فضلا عن التعامل بالعملة الإسرائيلية؛ في تباين واضح بين الضغط على الطبقات الشعبية -مما رفع أسعار السلع الغذائية وزاد من حجم البطالة- بينما فئات المستثمرين الفلسطينيين لا يوجد أي قانون يمنعهم من فتح حسابات بالبنوك الإسرائيلية أو حتى إقامة شراكات مع إسرائيلييين، يعتبر هذا الوضع مناسب لسيطرة الأثرياء الفلسطينيين على الفقراء، بل واستعبادهم بمنطق دعم الاقتصاد الوطني، بينما يرى البعض أن القضية إعلامية وهي ليست مقاطعة حقيقية، وهناك من يرى أن أثرياء فلسطين مناضلون ولابد من دعمهم.
أما ملف تطهير الثورة من الفساد الداخلي، نلاحظ أن الفساد المالي الظاهري على قيادات لم يعملوا سوى بمؤسسات الثورة ولا نعرف أنهم ورثوا غير الفقر، كما أنهم ورّثوا أبناءهم وأقاربهم المناصب وسلطة القرار، فيرى البعض أن هذه أكاذيب من أعداء الثورة وأن أبناء القيادات تولد مبدعة لأنها تعيش في ظل كادر موهوب، بينما يراها آخرون حالات شاذة ومن ظلم الكلام عن ظاهرة فساد داخل الثورة.
أما موضوع محاكمة أصحاب القرارات الخاطئة بناء على النقد والنقد الذاتي في الاجتماعات الثورية الداخلية؛ فهي غير معمول بها بالأطر العليا أما في القواعد الثورية فهو تكسير عظام بأسلوب استبدادي يفتقد المنهجية الثورية، يقيّمها البعض بأنها القرار جماعي وتحمّل المسؤولية جماعية، بينما يراها البعض متوقفة بسبب إتفاق بين القيادات فلا أحد يحاسب أحد، الا أن آخرين يصرون أن المحاسبة موجودة وفاعلة.
وفي سؤال شعبي دائم أين يصرف مال الثورة؟ وهل هناك ميزانية للفعاليات النضالية مثل مسيرات الجدار؟ هل هناك رقابة على مخصصات الأجهزة وخاصة الأمن؟ أين تذهب ملايين الدولارات التي تأتي موسميا على فلسطين؟ يرى المتفائلون أن موازنات الفصائل وأجهزة السلطة شفافة وواضحة والمشكلة في المنظمات الغير حكومية حيث تستشري السرقات، بينما يرى البعض أن الفعاليات النضالية مدعومة ماليا من الثورة وبدون هذا الدعم لا يوجد فعاليات، بينما يرى آخرون أن سرقة المال العام من قبل قيادات ثورية هو السبب الحقيقي وراء انخفاض شعبية كل فصائل الثورة بشقيها الإسلامي والوطني.
ختاما يطالبنا الجميع بمواصلة النضال مع تناول كوب حليب أسود يوميا دون أن يقولوا لنا هل نشربه دافئا إم باردا؟ وأنا أسأل: هل مسموح وضع قليل من العسل الفلسطيني عليه؟
خالد أبوعدنان
ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها