علانية الأفكار لا تعني شفوية إعلانها الا إذا امتلكت القدرة على ترجمتها بأفعال ومسلكية مطابقة لها، الشفوية سلاح التنظيمات الثورية القوية التي تتبنى الشفافية مع جماهيرها الا أن الشفوية لها حدود وضوابط تنظم علاقة التنظيم الثوري بالجماهير، أما مسألة الاتصال الشفوي في العلاقات التنظيمية الداخلية فهو يضع علامة استفهام حول صيانة أمن التنظيم وحماية العضوية و آلية اتخاذ القرار.
إن أقدم أسلوب نقل الأفكار بالتاريخ هو الاتصال الشفهي وهو أيضا أكثر أنواع الاتصال شعبية أثناء بناء اللبنات الأولى بالتنظيمات الثورية السرية، إن حضور الحواس كاملة يوفر أخصب فرص انتقال المعلومة بشكل يناسب المستقبل والمرسل استنادا لتلقائية الاستجابة اللحظية إما بالقبول أو طلب استيضاحات أو حتى مناقشة الفكرة، وقضية منافشة الفكرة تعتمد على طبيعتها؛ لإن الأفكار البدائية تملك صيغ غيبية تتطلب الانضباط بالتنفيذ على نهج الشامان في معابد الديانات العتيقة، كما أن الأجنحة العسكرية في التنظيمات الثورية ترفض مناقشة الأفكار الا بعد تنفيذها على أن تكون المناقشة نقدية في آلية التنفيذ حتى يتم الاستفادة منها في المهام المستقبلية.
كما تبقى الشفوية الأسلوب الأمثل لنقل أفكار الثورة للجماهير الشعبية عن طريق الخطابة الحماسية والدورات التثقيفية والمحاضرات التطويرية، فهي مكاشفة مفتوحة مع القواعد الجماهيرية تبني ثقة تبادلية بين القيادة التي تبحث عن جماهير لأفكارها وبين الجماهير التي تبحث عن قيادة شعبية تعبر عن طموحاتها، لهذا إعتبرت جميع الثورات المعاصرة الخطيب الثوري المنبري أهم وسيلة لاستقطاب عناصر جديدة لثورة وكذلك الدعم المالي والمعنوي من قبل أنصار الثورة، كما نزول القيادة المركزية للساحات العامة من أجل التواصل مع جماهير يمتن الثقة الشعبية للثورة ويعزز مجهودات القيادة الميدانية ويرصد مدى فعاليتها وأهليتها.
أما داخل التنظيم الثوري السري في الثورات المعاصرة فقد استخدم الاجتماعات الشفوية في القطاعات الشعبية العمالية والفلاحية بسبب الأمية والهيكلية العنقودية التي تشبك الانتماء النقابي بالتنظيم الثوري السري بالمهام الشعبية التضامنية.
كما اعتبرت الاجتماعات الطارئة الغير دورية شفهية مؤقتة لحين تثبيت نقاطها في اجتماع دوري مدون وخاصة القرارات والتكاليف في تنظيمات أمريكا اللاتينية بينما رفضت التنظيمات الآسيوية التزام بقرار شفوي غير مدون واعتبرته فردي لا يمثل رأي التنظيم الا أنها ترى الاجتماع الطارئ هو استثنائي لضرورة متابعة قضية صدر بها قرار مسبق، كما أنها رفضت انضباط العضو في لقاء خاص بين عضو عادي وقيادي بالتنظيم بل اعتبر اللقاء بدون تدوين محضر جريمة تجنح يعاقب عليها القيادي، بينما اعتبرها الرفيق كاسترو بأنها مبادرة تشجيعية للقواعد لكنه فشل في تثبيتها في أدبيات الحزب الذي أصر على أنها تجنح يهدد الهيكلية البنوية لعملية إصدار القرارات وتوزيع المهام.
الغريب أن هناك اجتماعات دورية شفوية في بعض الأطر التنظيمية المتعلمة، والتي تعلم أن تدوين محضر الاجتماع له أهداف عديدة مختصرة بكلمة صيانة البنيان الداخلي للتنظيم والتي توفر حماية حقوق وواجبات كل عضو منطوي بالتنظيم و تشمل على تثبيت التراتبية الهيكلية في إصدار القرار وأيضا الالتزام بالخطط والمهام؛ لهذا السبب اعتبر الرفيق هوشي منه أن الاجتماع الدوري الغير مدون هو عبارة عن إنفلاش مقصود وحدد عقوبة بالسجن شهر مع فك الإطار وتوزيع أعضاؤه على أطر أخرى مع منع أمين سر الاطار من استلام أي أطر لمدة عام كامل.
حتى لو تم تحويل اجتماعات الثورة علانية وإن عدد أعضاؤها كبير مثل أحزاب الاشتراكية الاجتماعية، فإن تدوين محاضر الاجتماعات يبقى ركن من أركان صيانة التنظيم على حد وصف الرفيق هوغو شافيز، وهي نقطة جدلية بين سرية الثورة وعلانية بناء الجمهورية في مناظرات كاسترو مع اليسارية الثورية، وخلص بالنهاية إلي ضرورة تدوين الاجتماعات الدورية أما اللقاءات الجماهيرية للقيادة المركزية فهي ليست بحاجة لتدوين حتى لو طرحت قرارات جديدة؛ الا أن الرفيق هوغو شافيز رأى أن طرحت قرارات جديدة للجماهير قبل الإطار التنظيمي جريمة ويعاقب عليها القيادي بسبب نزعاته الفردية فلا قرار الا القرار الجماعي المدون.
بالوقت الحالي هناك اجتماعات دورية تتم عبر الاتصال عن طريق الانترنت، وهي طريقة أول من استخدمها ثوار البوسة ثم تبعها الحركة نمور التاميل وهي الآن محل ثقة عند أغلب التنظيمات على أن يتم تدوين محضر الاجتماع وتوفر الأمن المعلوماتي اللازم لها؛ ومسألة توفر الأمن المعلوماتي علقت الاجتماعات عبر الانترنت في معظم التنظيمات اليسارية واعتبرت الاتصال عبارة عن لقاء تثقيفي لكنه ليس اجتماع رسمي ومن المرفوض إصدار القرارات أو تكليف المهام عبر الانترنت، بينما ترى التنظيمات اليمينية والخاصة الدينية أن توفير أمن المعلومات عبر الانترنت هي مهمة القيادة المركزية وعليها توفيرها والعمل على تطويرها من خلال إنشاء جهاز متطور مسؤوليته توفير الأمن المعلوماتي عبر الانترنت لكافة أعضاء التنظيم بل أنه أيضا من أساليب الاستقطاب عندهم.
تبقى نقطة الإعلام التنظيمي في أشكالها الثلاث كشف ممارسات العدو ونشر أفكار الثورة وقراراتها وأخيرا التنظير السياسي بين فصائل الثورة، والإعلام ثوري بدأ بالإعلان الشفوي عبر الخطب والندوات والمهرجات والدورات التثقيفية ثم أضيف لها النشرات والدراسات المكتوبة وتبعها بالإضافة باقي وسائل الإعلام المسموع والمتلفز ثم توسع بتسهيلات ثورة المعلومات العنكبوتية التي وفرتها خدمة الانترنت.
إن الشفوية في التنظيم الثوري تختلف من تنظيم إلي آخر الا أن التجارب الثورية تعلمنا أن الشفوية مهمة جدا في التواصل مع الجماهير تماشيا مع أسلوب العصر الذي يفرض الحضور الدائم للكوادر الثورية الإعلامية والقيادة المركزية في وسائل الإعلام أكثر من التركيز على بناء إعلام ثوري خاص بسبب عنكبوتية المعلومات وسرعة وصولها مما يتطلب قدرات مادية ومهارات اختصاصية تثقل ميزانية التنظيم الثوري، أما مسائل الاتصال الشفوي داخل الأطر التنظيمية فهي قضية تفقد التنظيم انضباطه.
خالد أبوعدنان/ ولدت لاجئا وأحيا مهاجرا
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها