لمناسبة اقتراب الذكرى الخامسة عشرة لانسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني، تتزايد التقديرات والمخاوف بشأن احتمالات اندلاع حرب على الجبهة الشمالية عموماً، وعلى الجبهة اللبنانية خصوصاً.
وقبل أيام أعلن نائب رئيس الأركان الإسرائيلي السابق الجنرال موشي كابلينسكي أن "الجولة المقبلة في لبنان، هي فقط مسألة متى سيقرر حزب الله وإيران ذلك". ويشير معلقون عسكريون إلى أن الجيش الإسرائيلي غير معني بحرب في الشمال قريباً، وأنه يبذل جهداً لمنع وقوعها.
وقال الجنرال غابي أشكنازي، في مقابلة متلفزة أثناء جولة على الحدود مع لبنان، "لقد نشأنا هنا وبدأنا شباناً، واستمررنا حينما دخل أبناؤنا الخدمة العسكرية، وحالياً صار لنا أحفاد في الجيش. وأنا طوال الوقت أسأل نفسي، إن كانوا هم أيضاً سيضطرون للانشغال بلبنان؟".
ويرد على السؤال نائب رئيس الأركان في حرب لبنان الثانية، الجنرال موشي كابلينسكي بشكل قاطع، فيقول "لا ريب ستكون حرب لبنان الثالثة بشكل أو آخر، فثمة هنا تنظيم فتاك تسلح وتنظم وسيطر على كل شيء. وعندما يكون الوقت مناسباً لهم وللإيرانيين، فسنعود إلى هنا".
وشرح كابلينسكي رأيه في الحرب المقبلة التي لا يعتقد أنها وشيكة، لكنها محتومة من وجهة نظره. ولا يبدي القادة العسكريون السابقون شوقاً للعودة إلى لبنان الذي يرى فيه أشكنازي "على كل تلة تراها فقدنا رجالا"، ومع ذلك لا يشعر كابلينسكي بأي ارتباط بها "وهي التي شربت الكثير من الدماء. لم أفقد فيها شيئاً عدا أصدقائي".
ويعترف القائدان السابقان للجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي أن حكومة إيهود باراك أقرَّت الانسحاب من طرف واحد من الجنوب اللبناني على النقيض من توصياتهما، "فالانسحاب من لبنان لم يكن مهمة بسيطة، ونحن لم نحب ذلك. وآمنَّا أن الانسحاب من طرف واحد خطأ. ولكن عدم سماعهم رأينا كان الخطأ".
وبديهي أن كلام كل من أشكنازي وكابلينسكي ليس مجرد تحليل لعسكرييْن متقاعديْن بقدر ما يعبر عن تقديرات الجيش. وهذا يتأكد من تحذيرات ضابط رفيع المستوى في الاستخبارات العسكرية قال فيها إن هناك خطراً حقيقياً في أن تقع مواجهة بين إسرائيل و "حزب الله" خلال العامين المقبلين. وأضاف أنه في هذه الحالة لا مناص لإسرائيل من التعرض لمناطق مأهولة، أخفى فيها "حزب الله" أسلحته.
وجاء كلام ضابط الاستخبارات هذا في حديث له مع مراسلين أجانب، حيث أكد أن فرص شن دولة أو تنظيم حرباً على إسرائيل هي أقل حالياً مما كانت قبل عامين أو ثلاثة، ولكن "احتمالات الحرب، نتيجة تصعيد أو لاعتبارات خاطئة، أعلى بكثير من أي وقت مضى، بسبب التنظيمات المحيطة بإسرائيل". وقال إن لدى "حزب الله" مئة ألف صاروخ، بينها "مئات" قادرة على إصابة كل مكان في إسرائيل. وشدد على أن "كل قرية باتت معقلاً عسكرياً"، وأنه "في الحرب المقبلة مع حزب الله سنكون ملزمين بمهاجمة كل واحد من هذه الأهداف، ونأمل ألا يكون فيها سكان مدنيون".
ويكتب المعلق العسكري للقناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي ألون بن دافيد أنه فيما تتفكك سوريا يظهر لبنان كالخطر العسكري الأهم على إسرائيل. ويشير إلى أنه بناء على دروس الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة "يبني حزب الله قوات هجومية يمكنها أن تخترق الأراضي الإسرائيلية في الحرب، وتسيطر لزمن قصير على البلدات. ويتطلب هذا من الجيش الإسرائيلي أن يكون جاهزاً في كل لحظة لمعركة دفاع واسعة على الحدود الشمالية".
ويبين أن رئيس الأركان الحالي الجنرال غادي آيزنكوت "يغرس في الجيش إحساساً باحتمالات المواجهة في الصيف القريب، برغم أن الاحتمالية ليست عالية، وهذا على ما يرام. فخير للجيش أن يكون متحفزاً حتى وإن تبين أن التقديرات مغلوطة".
أما المعلق العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل فلاحظ أن الجيش الإسرائيلي، إلى جانب تكثيف تدريباته تحسباً لمواجهة محتملة، يقوم ببذل جهد من أجل منع وقوع الحرب. ويرى هارئيل أن قيام الجيش الإسرائيلي بإطلاع مراسلي الصحف الأجنبية، وخصوصاً "نيويورك تايمز"، على معلومات وخرائط بشأن قرى في الجنوب اللبناني يقع في إطار مساعي منع الحرب، إعلامياً وسياسياً.
وكانت "نيويورك تايمز" نشرت تقريراً مطولاً، مدعماً بالصور والخرائط من الجيش الإسرائيلي، في إطار الإيحاء بأنها تستعد لمواجهة تعرف معطياتها ولكنها لا تعرف متى ستقع. وثمة في ما قدمته إسرائيل للصحيفة ما يشدد على رسالة تحذيرية مفادها أن الجيش الإسرائيلي لن يتردد في مهاجمة أهداف في مناطق مأهولة يعتبر أنها "لمدنيين يقيمون في مواقع عسكرية".
ويكتب هارئيل أن إسرائيل بإشاعتها هذه المعطيات تعمل على صيانة رسائلها إلى "حزب الله" وللمجتمع الدولي، والقول إن الحزب يواصل انتهاك القرار 1701، ويهرِّب المزيد والمزيد من الأسلحة إلى لبنان وينشر قواته جنوب الليطاني وأنه مكشوف لها. ويضيف أن هذا يقع في نطاق مهمة الجيش، بقيادة آيزنكوت، الهادفة إلى منع نشوب الحرب المقبلة عبر ردع "حزب الله".
ويعتبر البعض أن رغبة إسرائيل في منع الحرب تعود إلى أسباب مختلفة، بينها أنه برغم ادِّعاء الجيش الإسرائيلي بإنجازاته في الحرب الأخيرة على غزة إلا أن إخفاقاته الميدانية كانت واضحة. كما أن إسرائيل التي تشعر أن المناخ الإقليمي، وما تشهده المنطقة العربية من تفكك يخدمها، ولذلك فإن مواجهة واسعة مع "حزب الله" قد تعيد توحيد المناخ العربي إن طالت المعركة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها