خاص مجلة القدس/ منذ انطلاقة حركة فتح في 1/1/1965، التي انطلقت من منصة التاريخ لواقع الشعب الفلسطيني ولأول مرة يأخذ التنظيم الجديد دوره النضالي في قيادة كفاح الشعب الفلسطيني وتطلعاته وطموحاته باستعادة الهوية الوطنية الفلسطينية وتكريسها واقعاً حاضراً بعد تهميش ومصادرة من الالحاق والتبعية ومحاولات تذويبها، كما استطاع التنظيم الجديد بقيادة حركة "فتح" أحداث التحول الثوري وان يكون اللاعب الأساسي في عملية التغيرات المركبة التي حدثت بعد النكبة عام 1948 والوقائع التي أفرزتها بانهيار المجتمع الفلسطيني وبنيويته السياسية والاقتصادية والاجتماعية وبالتالي فقدان جزء من الوطن الفلسطيني في غياب القيادة السياسية المؤهلة في تمثيل الشعب الفلسطيني، ومن جهة ثانية تبعثر الحركة الوطنية الفلسطينية وتشتتها في مشاريع الصراع الفكري والشعاراتي للأحزاب العربية وعجز النظام الرسمي العربي عن صياغة معادلة المواجهة المطلوبة مع الاحتلال الإسرائيلي.
التنظيم
تعتبر المسألة التنظيمية في حركة "فتح" القاعدة الأولى لركائزها،المبادئ – المنطلقات- الاهداف، لقد كان من أوليات البناء التنظيمي في حركة "فتح" اعتمادها على خلاصة التجربة النضالية للحركة الوطنية الفلسطينية ومأزقها التاريخي لاستخلاص الدروس حينما صودرت كينونتها وإلحاقها وخاصة بعد نكبة 1948، بضم الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية وإخضاع قطاع غزة للإدارة المصرية، أما في الشتات فقد ظل الإنسان الفلسطيني غير قادر على تجاوز واقعه الصعب ورغم كل المرارات التي تجرعها ظل محصناً بإرادته وتصميمه ومواجهته التحديات والتمسك بأهدافه.
اعتبرت "فتح" أن التنظيم هو الإنسان الفلسطيني الذي يجب أن يكون معافى وسليماً وقادراً على حمل عبء المسؤولية النضالية وعلى قاعدة الوعي والنظرة الموضوعية، أعطت المسألة التنظيمية بُعدها الشمولي في حياة المجتمع الفلسطيني ومكوناته لإحداث التغيير الجذري لشعب فقد وحدته الجغرافية والسياسية والاجتماعية والثقافية ومنطلقه من أن الثورة هي لكل الشعب الفلسطيني وعليها تقع مسؤولية تحقيق وحدة الشعب وانجاز التحرير، تعاملت حركة "فتح" في البناء التنظيمي وفق شروط علمية واقعية تفرضها ضرورات البنيوية التنظيمية ووضعت الأسس لذلك البناء.
الإستراتيجية – القاعدة الشعبية – الانتماء والالتزام- المركزية الديمقراطية.
الإستراتيجية: جاءت ولادة "فتح" استجابة وطنية لظروف ذاتية وموضوعية متجاوزة الإرث الثقيل وأعباء مرحلة الانطلاقة وتجاوزت أزمة الحركة الوطنية العربية بوضع( المبادئ – المنطلقات – الأهداف – الأسلوب) وحددت أن نضال الشعب الفلسطيني جزء من النضال المشترك العربي والعالمي ضد المشروع الصهيوني وكل أشكال الشجار، وفلسطين جزء من الوطن العربي وشعبها جزء من الشعب العربي وانه صاحب الحق الشرعي في وطنه وله شخصيته المستقلة بتقرير مصيره ويمسك زمام قضيته دون وصاية أو تبعية.
كما أن معركة التحرير واجب قومي يجب أن تسهم فيه الأمة العربية بكل طاقاتها وإمكانياتها المادية والمعنوية كما حددت أهدافها بتحرير فلسطين، وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الديمقراطية، وتحفظ للمواطنين حقوقهم الشرعية على أساس من العدل والمساواة دون تمييز في الدين والعقيدة، وان تكون القدس عاصمة لها، وتعمل على بناء المجتمع التقدمي الذي يضمن حقوق الإنسان ويكفل الحريات العامة .
اثبت الفكر السياسي الجديد لحركة "فتح" عن عمق الوعي وصوابية التحليل للواقع الذاتي والموضوعي، ووجدت الجماهير الفلسطينية والعربية ساحتها بالتفاعل الايجابي باستقطاب الآلاف من المناضلين ملتحقين بالثورة الجديدة المعبرة عن أمالهم وطموحاتهم حيث أسست هذه الإرهاصات إلى تحولات جذرية للإنسان الفلسطيني والعربي وعياً وسلوكاً وممارسة، ومن جهة ثانية تماهى الفكر الثوري الجديد مع كل التحولات والحقائق والوقائع الإقليمية والدولية بتوازن الأداء وعبور حقول الألغام والتعامل مع العراقيل بكل حنكة ومسؤولية، وارتبط مسار حركة "فتح" سلوكاً وممارسة بأنها حركة التاريخ المعاصر للشعب الفلسطيني بكل مكوناته ولا تصنع خطوطاً وهمية تصطدم بالمفاهيم المتجرة الشمولية المغلقة ولا تنعكس صراعاً داخلياً أو عربياً ويبتعد عن أهدافه في مسألة الصراع الرئيسي وتشكل عبئاً على مسيرتها وشعبها وليس خشبة للخلاص الوطني، فقد شرعت أبوابها لكل المناضلين كحركة جماهيرية شعبية ومنصة انطلاق للجماهير العربية لأخذ دورها التاريخي دفاعاً عن مصالحها وتحقيق التحرر الوطني بكل أبعاده.
التنظيم الشعبي (القاعدة الجماهيرية)
من سمات الفكر السياسي الجديد أن تأخذ الجماهير دورها، لأنها هي التي تكتب التاريخ وصاحبة المصلحة الحقيقية بالثورة وأهدافها، وبما أن حركة "فتح" حركة الشعب الفلسطيني وارتباط مصير هذه الجماهير بحركته الثورية ومن جهة ثانية اعتمدت "فتح" على شعبها وإرادته وصموده وتضحياته حيث أنتجت التحولات الكبيرة أفقيا وعامودياً وحققت المكاسب الوطنية باستعادة الهوية الوطنية الفلسطينية.
انتزاع القرار الفلسطيني المستقل وعودته لأصحابه الشرعيين، والاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني، استعادة فلسطين على الجغرافيا السياسية والدولية كان آخرها الاعتراف الاممي بدولة فلسطين كما حددت في المرحلة التاريخية الراهنة الثوابت الوطنية الفلسطينية على قاعدة المشروع الوطني الفلسطيني استناداً إلى الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مدعومة بقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي والرؤية العربية لحل عادل وشامل يقوم على إنهاء الصراع بإعطاء الفلسطينيين دولتهم وان تكون القدس عاصمتها وحق عودة اللاجئين وفق القرار 194.
كان اعتماد التنظيم على الجماهير تأطيراً وتنظيماً لأنها أداة الثورة في عملية التغيير، وبدون هذه الجماهير التي تشكل الحاضنة الأساسية، تصبح الثورة مثل السمكة خارج الماء، ولا تستطيع البقاء أو العيش وكانت رؤية التنظيم انه يمثل أحلام وطموحات الشعب الفلسطيني بكل فئاته وطبقاته، القاعدة الشعبية العريضة وهي من شروط البناء التنظيمي كانت القوة الايجابية بمفهوم الفكر السياسي الجديد لحركة "فتح"، لأنها أعطت الجماهير دورها الفاعل في مسيرة الثورة وليس بديلاً عنها، وكان في تعبير المنظمات الشعبية وتشكيل الاتحادات الشعبية النقابية دلالة على طبيعة البنيوية السياسية الاجتماعية التي تتماهى فيها كل الشرائح والطبقات الاجتماعية دون قوالب جامدة أو متحجرة أو اصطفاف محوري تعرضه لتداعيات مفاهيم وإيديولوجيات بين يمين ويسار أو فكر ديني لا ينسجم مع الواقع التاريخي والتطور الطبيعي للمجتمعات البشرية، وبالتالي يؤدي ذلك إلى الانعزال وتغيير اتجاه البوصلة في متاهات المصالح الفئوية، وتشتيت القوى الشعبية وتناحرها وخسران مكاسبها وانجازاتها وفقدان دورها الفاعل في مسألة الصراع وتفكيك وحدتها فكراً وتنظيماً وممارسة فشل التجربة الجديدة.
الانتماء- الالتزام
استعراض المسألة التنظيمية وطبيعتها وشروط البناء الثوري لاستمرار وديمومة العمل النضالي وجوب الانتماء والالتزام، فقد واجه التنظيم منذ انطلاقته مسألة الانتماء، وهل يكون على أساس قوى اجتماعية معينة متأثراً باليسار الاممي وعلى أسس طبقية تلغي دور ومهمة القوى المجتمعية الأخرى للشعب الفلسطيني، أم يكون ذا مفاهيم قومية أو دينية، حيث يكون الصراع في دائرة الاختلاف والتباينات حول القضية الفلسطينية وزجها في أتون شعارات تلك المرحلة بين الوحدة والتحرير، أو التحرر الاجتماعي وإغفال الصراع والتناقض الرئيسي مع الاحتلال الإسرائيلي وتداعياته على حركة التحرر العربية والنظام الرسمي العربي وجعله رهينة التخلف والتبعية وعدم القدرة على تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي والتحرر من الوصاية وتحقيق الاستغلال الحقيقي وبناء المجتمع الذي يكفل حرية الإنسان وحقوقه وممارسة الديمقراطية وتوزيع الثروة يكون الإنسان هو الأداة والهدف ضمانة لاستقرار المجتمع وتطوره.
الانتماء والالتزام شرطان أساسيان لكل مناضل في إطار التنظيم على قاعدة روح التضحية ونكران الذات، ارتباطاً بالقضية النضالية يمتلك الوعي والصلابة يتقدم الصفوف مدافعاً عن ثورته وشعبه نحو الخلاص الوطني مجسداً مفاهيم التنظيم وممارساً لدوره الميداني الديمقراطي.
مفهوم الديمقراطية وممارسته كان المساحة الواسعة التي وجد فيها المناضل تجسيد قناعاته ومكانته في وحدة التنظيم فكراً وإطاراً وسلوكاً في مسألة العلاقات الداخلية وحركتها وبين المناضلين والقيادة والعلاقة مع الجماهير.
لم تكن الديمقراطية مفهوماً عفوياً أو مسألة فنية وتجربة حركة التحرر العربية ومأزقها في دوائرها المغلقة نتفت ريشها مما افقدها عدم القدرة على الطيران في رحاب التطور والتطوير نسخة عن البناء الرسمي للنظام أو متماهية معه في جوائز الترضية في كل محطة تاريخية.
لكن مفهوم الديمقراطية جسدته حركة "فتح" حينما رفعت شعار دع كل الزهور تتفتح في البستان الواحد وديمقراطية البنادق التي كان الحوار وتقبل الآخر سلوكها والقناعة بالشراكة التعددية، وليس الإلغاء رغم كل الصعوبات والمعيقات والأفكار السياسية المتعددة لبرامج مختلفة ولكنها لم تصل إلى نقطة الاصطدام.
عبرت حركة "فتح" عن نفسها أنها حركة وطنية ثورية، والثورة للشعب بكل فئاته وان القيادة الجماعية هي الأسلوب الوحيد للقيادة متخذة من مفهوم الديمقراطية اساساً للبحث والنقاش واتخاذ القرارات على كافة المستويات، كما أن المركزية الديمقراطية هي الأساس في ممارسة المسؤوليات الذي يضمن وحدة العمل والتنظيم والانسجام الفكري والتفاعل السياسي الداخلي.
كرست فتح مبدأ الديمقراطية منهاجاً للعلاقات الوطنية والداخلية منذ انطلاقتها وأثبتت أنها حركة التيار الوطني الديمقراطي، حركة كل الفلسطينيين الذين يؤمنون بوطنيتهم وبالمشروع الوطني الفلسطيني ونحو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف .
يوسف عودة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها