مع نهاية شهر آذار تعقد القمة العربية السادسة والعشرين في شرم الشيخ، وهي مثقلة بملفات من العيار الثقيل، تمثل تحديات نوعية قديمة جديدة للدول العربية وتتمثل هذه التحديات النوعية في تحديات داخلية وأخرى خارجية.

أولاً: التحديات الخارجية:
إن الفراغ الإستراتيجي الذي أحدثه غياب النظام العربي، ترك الباب مفتوحاً لتدخلات إقليمية ودولية في الشأن العربي لتملأ هذا الفراغ، أولها التحدي التاريخي الصهيوني الذي أوصد الباب أمام جهود عملية السلام التي كان من المفترض لها أن تنهي الإحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية التي أحتلت عام 1967م سواء منها اللبنانية أو السورية أو الفلسطينية، وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته الفلسطينية المستقلة.
لقد أتاح هذا الفراغ الطريق أمام الإنهيارات والتصدعات التي شهدتها أكثر من دولة عربية مثل الصومال، وليبيا، وسوريا، والعراق، وآخرها اليمن، وأن تنفذ إليها  القوى الدولية وتعبث بمقدراتها وتوجه أحداثها وفق مصالحها وأجنداتها، وأدى ذلك إلى بروز أحلام بعض القوى الإقليمية لإستعادة أمجادها وأحلامها التاريخية، على حساب المصالح الموحدة والمشتركة للدول والشعوب العربية وفي مقدمة هذه القوى برز الدور الإيراني، المدعوم بالشعوبية والطائفية التي نخرت الوحدة الوطنية في بعض أقطار العرب، كما ظهر جليا الدور التركي الذي يسعى هو الآخر لإستعادة أحلامه الإمبراطورية العثمانية ومد نفوذه وهيمنته على الدول العربية، إن هذا التمدد والنفوذ لهذه القوى الإقليمية من إيرانية وتركية، في الجسم العربي، وإدارة الظهر من قبل الكيان الصهيوني لكل الجهود الدولية التي بذلت خلال الربع القرن المنصرم من أجل إقرار تسوية مقبولة عربياً ودولياً للنزاع العربي الإسرائيلي، سببه هذا الفراغ الإستراتيجي القائم في بعض الدول العربية بشكل خاص، وفي النظام العربي بشكل عام.

ثانياً: التحديات الداخلية:
من أبرز هذه التحديات الداخلية التي تواجه الدول والمجتمعات العربية هي كيفية الحفاظ على الوحدة الوطنية أو إستعادتها لدى المجتمعات العربية على أساس من إحترام المواطن والمساواة أمام القانون لجميع المواطنين على إختلاف مساحة الوطن، وإقامة دولة القانون والمؤسسات بدلاً من دولة الفرد والأقلية المتنفذة، ومواكبة تحديث الدولة وأجهزتها ومؤسساتها بما يستجيب لإحتياجات مواطنيها في الأمن والرخاء والإستقرار والإستمرار والتقدم، هذا التحدي الخطير الذي مهد الطريق أمام تلك التدخلات الخارجية، وأعطى المبررات لظهور القوى الداخلية الطامعة بالسلطة ومنها قوى الإرهاب لتضرب الدولة ومؤسساتها وتشق وحدة المجتمع لتحقيق أهدافها وغاياتها.
إن هذه التحديات تمثل السؤال الكبير المطروح على قمة شرم الشيخ، والمطلوب تقديم الإجابة اللازمة للمواطن العربي عليها من خلال إقرار الإستراتيجية اللازمة لمواجهة هذه الأوضاع الشاذة. 
إن المواطن العربي يحذوه الأمل بأن تتمكن هذه القمة من وضع الإستراتيجية العربية التي تنهي حالة الفراغ، وتعيد الإعتبار لوحدة الدولة العربية ومجتمعاتها وتعيد الفاعلية للنظام العربي القادر على إنهاء الخلافات الداخلية للدول العربية وكذلك الخلافات البينية وتحول دون التدخلات الخارجية، وتضع حداً لصلف الكيان الصهيوني، إننا نتمنى ونأمل من قمة شرم الشيخ أن تكون على مستوى هذه التحديات، خصوصاً وأن مصر قد أخذت طريقها إلى التعافي بدعم من الأشقاء العرب وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية التي يعول اليوم عليها أن تكون الرافعة للوضع العربي، بما لها من دور ووزن ومكانة ورؤية سياسية واضحة وجادة للخروج من حالة الفراغ الإستراتيجي التي يعاني منها العالم العربي، وفق ما عبر عنه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز في كلمته الإستراتيجية الموجهة للشعب السعودي وللأمة.