جاء الرسول النبي الأمين محمد صل الله عليه وسلم رحمةً للعالمين كلهم؛ بدين الوسطية والسماحة والسلام والخير واليسر والرحمات؛ وبعد قرون خلت حال المسلمين مُزرِى وخاصةً في أيامنا التي نعيشها اليوم؛ فلقد انقلب الأمر وخرج لنا أُناسٍ ملتحون يزعمون الاسلام ويلبسون لباسهُ ويكفرون كثيرًا من الناس!!! وهذا داءٌ ومرضٌ عُضال يحتاج للدواء ودفع الُحّجة بالّحُجة وبحاجة إلى الارشاد والنصح والتصحيح للفكر التكفيري المتطرف الذي عشعش في عقولهم وقلوبهم، والحل الأول الموعظة الحسنة والدعوة بالبرهان من القرآن.
يقول أبرز المحللين السياسيين لقضايا الشرق الأوسط جرهام فولد الألماني:" إن الولايات المتحدة الأمريكية هي من صنعت وأوجدت الفكر التكفيري و داعش وهي من خلقت البيئة الداعمة والحاضنة لهم؛ وذلك حينما غزت العراق وقتلت الألاف من العراقيين ومكنت الشيعة من رقاب أهل السنة وبغت وطغت وظلمت وفرضت عقوبات لمدة عشر سنوات على العراق؛ ودمرت النسيج الوطني والاجتماعي العراقي ودمرت المصانع والبنية التحتية وخلقت ملايين المهجرين من ديارهم وقتلت علماء أهل السنة وعينت حاكم عسكري ( بول بريمر) عملاق الغزو وكانوا مثل الغزو المنغولي قبل ألف عام والذي قتل ملايين البشر.
وعمل بول بريمر على إرساء النعرات الطائفية والقبلية وعلى فصل السنة عن الشيعة؛ مع العلم ان أهل السنة العراقيين والشيعة منهم كانوا يعيشون في بغداد مع بعضهم البعض يتجاورون ومتحابون ويتزاوجون وكان بينهم توافق وانسجام وتعايش وتراحم وتأخي ولا تكاد تجد فرق بينهم؛ بل لما وقعت في ثمانينات القرن الماضي الحرب العراقية الإيرانية؛ كان الجيش العراقي فيه السني العراقي والشيعي العراقي يقاتلون إيران بكل قوة مع بعضهم البعض؛ ونتيجة الاحتلال الأمريكي للعراق ودعم السعودية الوهابية والكويت وبعض الدول الخليجية ترعرع الفكر التكفيري والتعصب المذهبي والقبلية والتطرف الفكري؛ وأيضًا في هذا المقام يقول العالم الفيلسوف الأمريكي المشهور نعوم تشومسكي – إن إيران تسعي للهيمنة والسيطرة على المنطقة والتمدد والتوسع، وأن احتلال العراق من قبل امريكا وبريطانيا والحلفاء والظلم والجور الذي وقع على أهل السنة من قبل الشيعة زمن المالكي رئيس الوزراء العراقي الأسبق أدي لظهور ونماء وزيادة التطرف وكلما نمت الصراعات وزادت كلما زاد التطرف. وها هي إيران تحاول أن تسيطر على المنطقة ويكاد يكون تحالف صليبي غربي صهيوني مع تقاطع مصالحهم مع الدولة الفارسية الجديدة إيران ضد الدول العربية والشعوب العربية وما يجري في اليمن من سيطرة الحوثيون الشيعة على زمام الأمور في اليمن بتواطئي وخيانة واضحة من الرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح لحرق البلد لصالح الغرب الذي يدعي الديمقراطية وحقوق الانسان زورًا وبهتانًا ويسعون في الأرض فسادًا ولقد ساندت أمريكا الطغاة وجارت وظلمت ودمرت المجتمع المدني في العراق وسوريا واليمن وجعلت الأخ يكرهُ أخاه ويكفر بعضُنا بعضًا وهم يتفرجون بل يتلذذون على أبناء الأمة العربي والإسلامية الذين يذبحون ويحرقون بعضهم البعض. وهنا بعد معرفة الداء نُشخص الدواء.
فلقد أصيبت الأمـة الإسلامـيـة في القرون المتأخرة في أعز ما تملك وهو عقيدتها الصافية النقـيـة التي جاء بها الرسول -صلى الله عليه وسلم- من عند الله عز وجل، وسار عليها صحابته رضوان الله عليهم، وتبعهم في ذلك ثلة من الأولين وقليل من الآخرين، ولا تزال طائفة من الأمة سائرة عليها كما أخبر بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهذه المصيبة العظيمة لها جذور تاريخية ترجع إلى القرون الأولى. فقد بدأت هذه المصـيبـة بمقتل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- على يد مجوسي حاقد، ثم قتل ذي النورين عثمان بن عفان --رضي الله عنه-، بمؤامرة دنيئة، ثم ظهر القول بنفـي القدر، ثم أوقدت الفتنة بين المسلمين، ودار القتال بينهم، ثم خرجت الخـوارج بمقـولـة شنيعة، ثم ظهر التشيع، وازداد أهله غلواً وبعداً عن الدين، وانتشر الرفض في بقاع شتى من العالم الإسلامي. وفي كل مرة كانت هذه الانحرافات تجد من يتصدى لها من الرجال الأفذاذ الذين جمعوا بـيـن الـعـلـم والـعـمـل، والجهـاد في سـبـيل الله، وكان هؤلاء يعملون على تنقية الأجواء
الإسلامية من كل انحراف ومن كل دخيل. وفي الأسطر التالية أثر يتحدث عن نموذج لانحراف خطير ظهر في هذه الأمة، وكيف تصدى لهذا الانحراف رجل تخرج من مدرسة الرسول - صلى الله عليه وسلم- التي تخرج منها أعظم الرجال. وهذا الأثر فيه فوائد شتى، لم يكن المقصود استخراجها جميعاً، بل نتُرك ذلك للقارئ الكريم
وهذا نص الأثر:
جاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما خرجت الحرورية اجتمعوا في دار - على حدتهم - وهم ستة آلاف وأجمعوا أن يخرجوا على علي بن أبي طالب وأصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- معه، قال: جعل يأتيه الرجـل فيقول: يا أمير المؤمنين إن القوم خارجون عليك، قال: دعهم حتى يخرجوا فإني لا أقاتلهم حتى يقاتلوني وسوف يفـعلون. فلما كان ذات يوم قلت لعلي: يا أمير المؤمنين: أبرد عن الصلاة فلا تفـتـني حتى آتي القوم فأكلمهم، قال: إني أتخوفهم عليك. قلت: كلا إن شاء الله تعالى وكنت حسن الخلق لا أوذي أحدًا. قال: فلبست أحسن ما أقدر عليه من هذه اليمانية، قال أبو زميل: كان ابن عباس جميلاً جهيرًا. قال: ثم دخلت عليهم وهم قائلون في نحر الظهيرة. قال: فدخلت على قوم لم أر قط أشد اجتهادًا منهم، أيديهم كأنها ثفن (*) الإبل، وجوههم معلمة من آثار السجود، عليهم قمص مرحضة، وجوههم مسهمة من السهر. قال: فدخلت. فقالوا: مرحبًا بك يا ابن عباس! ما جاء بك؟ وما هذه الحلة، قال: قلت ما تعيبون علي؟ لقد رأيت على رسول الله أحسن ما يكون من هذه الحلل، ونزلت ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق)) قالوا: فما جاء بك؟ قال: جئت أحدثكم عن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن عند صهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليهم نزل الوحي، وهم أعلم بتأويله، وليس فيكم منهم أحد، فقال بعضهم: لا تخاصموا قريشاً فإن الله تعالى يقول: ((بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ))، وقال رجلان أو ثلاثة لو كلمتهم.
قال: قلت أخبروني ما تنقمون على ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وختنِه، وأول من آمن به، وأصحاب رسول الله معه؟
قالوا: ننقم عليه ثلاثاً.
قال: وما هنّ؟
قالوا: أولهن أنه حكّم الرجال في دين الله، وقد قال الله: ((إِنِ الحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ))، فما شأن الرجال والحكم بعد قول الله عز وجل.
قال: قلت وماذا؟
قالوا: وقاتل ولم يَسْبِ ولم يغنم، لئن كانوا كفارًا لقد حلت له أموالهم ولئن كانوا مؤمنين لقد حرمت عليه دماؤهم.
قال: قلت وماذا؟
قالوا: محا نفسه من أمير المؤمنين. فإن لم يكن أمير المؤمنين فهو أمير الكافرين.
قال: قلت أعندكم سوى هذا؟ قالوا: حسبنا هذا.
قال: أرأيتم إن قرأت عليكم من كتاب الله المحكم، وحدثتكم من سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما لا تنكرون [ ينقض قولكم ] أترجعون؟
قالوا: نعم. قال: قلت أما قولكم: حكّم الرجال في دين الله، فإن الله تعالى يقول: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ))، إلى قوله: ((يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ)). وقال في المرأة وزوجها: ((وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا)). أنشدكم الله أحكم الرجال في حقن دمائهم وأنفسهم، وإصلاح ذات بينهم أحق أم في أرنب ثمنها ربع درهم، وفي بضع امرأة. وأن تعلموا أن الله لو شاء لحكم ولم يصير ذلك إلى الرجال.
قالوا: اللهم في حقن دمائهم، وإصلاح ذات بينهم.
قال: أخرجت من هذه؟ قالوا: اللهم نعم.
قال: وأما قولكم قاتل ولم يسب ولم يغنم، أتسبون أمكم عائشة، أم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها، فقد كفرتم، وإن زعمتم أنها ليست أم المؤمنين فقد كفرتم، وخرجتم من الإسلام، إن الله يقول: ((النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ))، فأنتم مترددون بين ضلالتين، فاختاروا أيهما شئتم، أخرجت من هذه؛ فنظر بعضهم إلى بعض.
قالوا: اللهم نعم.... قال: وأما قولكم محا نفسه من أمير المؤمنين، فأنا آتيكم بما ترضون، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا قريشًا يوم الحديبية أن يكتب بينه وبينهم كتابًا فكاتب سهيل بن عمرو وأبا سفيان. فقال: اكتب يا علي هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال: والله إني لرسول الله حقًا وإن كذبتموني، اكتب يا على: محمد بن عبد الله ، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أفضل من علي -رضي الله عنه- وما أخرجه من النبوة حين محا نفسه. أخرجت من هذه؛ قالوا: اللهم نعم. فرجع منهم ألفان، وبقي منهم أربعة آلاف فقتلوا على ضلالة.
أولاً: لقد أتى الخوارج بما أتي به اليوم (التكفيرين والدواعش) ومن تبعهم من قبل فهمهم السقيم لنصوص الشرع، ويرجع ضلالهم إلى أسباب أهمها:
1- فهم النصوص ببادئ الرأي، وسطحية ساذجة، دون التأمل والتثبت من مقصد الشارع من النصوص، فوقعوا في تحريف النصوص وتأويلها عن معناها الصحيح.
2-أخذهم ببعض الأدلة دون بعض، فيأخذون بالنص الواحد، ويحكمون على أساس فهمهم له دون أن يتعرفوا على باقي النصوص الشرعية في المسألة نفسها، فضربوا بعض النصوص ببعض (وبهذا أسكتهم ابن عباس -رضي الله عنه-، فقد كان يأتيهم بباقي الأدلة في الموضوع نفسه، فلا يجدون لذلك جواباً).
وسبب ضلال الخوارج هو سبب ضلال طوائف عديدة من المسلمين. يقول الشاطبي رحمه الله أن أصل الضلال راجع إلي (الجهل بمقاصد الشريعة، والتخرص على معانيها بالظن من غير تثبت، أو الأخذ فيها بالنظر الأول، ولا يكون ذلك من راسخ في العلم).
إن وحدة المسلمين أصبحت مقولة يقولها كل مـسـلم، وكل جماعة، فالكل ينادي بالوحدة والـكـل يزعـم أنـه سـاعٍ إلـيهـا حريص عليهـا، ولكن ما هو السبيل الحق إلى تحقيق هذه الوحدة، هنا موضع الخلاف، وهنا تزل الأقدام، وتضل الأفهام، وتنحرف الأقلام.
إن وحـدة المسـلـمـين مـطـلـب شـرعـي ومقصد عظيم من مقاصد الشريعة، فلا بد أن تكون الـوســيلة إلـيه شـرعــية. إن وحدة المسلمين يجب أن تكون عبادة نتقرب بها إلى الله عز وجل، والله لا يعبد إلا بما شرع، وكل عمل ليس عليه أمر الشرع فهو رد كما أخبر بذلك الرسول -صلى الله عليه وسلم- . إن وحدة المسلمين بمعناها الشرعي الصحيح، تعني أن يعودوا جميعًا إلى الفهم الصحيح لكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-
ولنتأمل في قول الله عز وجل: ((وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً))، ثم قال: ((وَلاَ تَفَرَّقُوا))، يقول الشاطبي رحمه الله تعليقًا على الآية: (تبين أن التأليف إنما يحصل عند الائتلاف على التعلق بمعنى واحد، وأما إذا تعلقت كل شيعة بحبل غير ما تعلقت به الأخرى فلابد من التفرق وهو معنى قول الله تعالى: ((وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) إذن فتضييع الأصول من أجل الوحدة سبيل غير شرعي ، بل هو فوق ذلك عمل لا يقره العقل، وإليكم التوضيح. وإن التفرق بين المسلمين حاصل ولابد، فكلام الله حق ((وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ)) وكلام رسوله حق (تفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة) ... وقال:(سألت ربي أن لا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها) فإذن فإنه يستحيل في الواقع أن يزول الاختلاف تمامًا وأي مسلم يوقن بمعاني هذه النصوص، ليس عنده طمع في ذلك فهذا أمرٌ قضى الله به، ولكنه ستبقى طائفة على الحق.
فعلى الدعاة إلى الله أن يحرصوا على الوصول بدعوتهم الوسطية الصحيحة لكل فرد وإنسان وان يكون كلامهم من القرآن الكريم والسنة النبوية أي قال الله عز وجل وقال رسوله عليه أفضل الصلاة والسلام. وعلى الدعاة الربانيين المخلصين استخدام أسلوب الدعوة والمناظرة والجدل بالموعظة الحسنة مع أهل البدع والتكفير ومن لفم لفيفهم، وأن الحل لمجتمعاتنا العربية المسلمة هي نشر الفكر الوسطي الإسلامي السمح والعمل على التنمية المستدامة وخلق فرص عمل للشباب العاطلين عن العمل ونشر العدل ورفع الظلم والجور وأخر العلاج الكي، فالحل الأمني هو أخرِ الحلول إن فشل كل ما سبق من أساليب الدعوة بالحُسني.
الكاتب المفكر والمحلل السياسي
الفكر التكفيري داءٌ - دواءهُ الحكمة والموعظِة الحسنة: بقلم جمال ابو نحل
09-02-2015
مشاهدة: 970
جمال ابو النحل
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها