شدد رئيس الوزراء الدكتور سلام فياض على أن الاعتداءات الإسرائيلية المُستمرة والتي تستهدف الوجود الفلسطيني ومصادرة مقومات حياة أبناء شعبنا خاصةً في القدس المحتلة ومحيطها وفي المناطق المُسماة (ج)، سيما في الأغوار وجنوب الخليل ومناطق خلف الجدار، والتي تترافق مع تصعيد وتيرة الهجمة الاستيطانية بصورة مُمنهجة وغير مسبوقة، تُشكل جميعها عدواناً سافراً على شعبنا وأرضه، وخطراً وجودياً داهماً على مستقبل بقاء شعبنا على أرضه، وعلى مشروعنا الوطني التحرريّ برمته. مُشيراً إلى إن هذه الاعتدات تصاعدت بشكلٍ مُتزايد خلال العام الماضي، حيث سلمت قوات الاحتلال حوالي 300 إخطار بالإخلاء والهدم أو بوقف العمل، وبما يزيد عمّا سلمته خلال عامي 2010 و2011 مجتمعين.

وأكد فياض على أن هذه الاعتداءات تأتي في سياق تنفيذ مُخططٍ إسرائيليّ بات واضحاً أنه سيمنع أية إمكانية لتجسيد دولة فلسطين، وعاصمتها القدس على الأرض، ويُفرغ القرار الأمميّ برفع مكانة فلسطين في الأمم المُتحدة من مضمونه، باعتباره مرجعية أساسية لأي حل ٍ سياسيّ على إسرائيل أن تتقيد به، وخاصةً ما يتعلق بمكانة القدس وحدود عام 1967، مُشدداً على أن التصدي لهذه التهديدات يتطلبُ مواجهةً جماعية من كافة مكونات شعبنا.

وقال: 'لم يعد بالإمكان الاكتفاء بمناشدة المجتمع الدوليّ التدخل وإلزام إسرائيل بوقف هذه الانتهاكات، كما لم يعد مقبولاً بأي حال من الأحوال أن تكتفي القوى الدولية المؤثرة ببيانات الشجب والاستنكار، وترك اسرائيل تقرر مستقبل المنطقة والصراع، بكل ما يحمله ذلك من مخاطر على أمن واستقرار المنطقة برمتها'.

وأشاد فياض بالحشود الشعبية غير المسبوقة، التي خرجت في شوارع غزة قبل أيام، تعبيراً عن تلمس أبناء شعبنا وإدراكهم لهذا الخطر الداهم على مشروعنا الوطني وعلى حقوق شعبنا الوطنية، وفي مقدمتها حقه في العيش حراً أبياً عزيزاً كريماً في وطن له كباقي شعوب الأرض، وقال: 'شعبنا في قطاع غزة والذي شكّل دوماً رافعة أساسية لحماية المشروع الوطني وتجسيد الكيانية الفلسطينية، عبّر من خلال خروجه غير المسبوق عن رفضه القاطع لهذه المخططات التصفوية'.

وأكد رئيس الوزراء على أن أهلنا في قطاع غزة، كما في كل مكان، يدركون مدى خطورة ما يتهدد مستقبل مشروعهم الوطني، سيما في ظل استمرار حالة الانقسام التي تشكل الحاضنة لمخططات الاحتلال في تمزيق وطننا ومنع قيام دولة الاستقلال، وهم يؤكدون مرةً أخرى مدى وعي شعبنا وإدراكه لخطورة هذه المخططات التي تتهدد قضيتنا ومشروعنا الوطني برمته، وقال: 'لقد أطلق أهلنا في شوارع غزة رسالةً واضحة مفادها أن شعبنا مصمم على دفن الانقسام والتصدي لأية محاولة لتكريس الفصل بين غزة والضفة، ففلسطين بالنسبة لشعبنا أكبر من الجميع'.

ودعا فياض خلال حديثه إلى العمل على مضاعفة الجهود الرسمية والشعبية لمواجهة التحديات الراهنة واستنهاض كل الطاقات وتوحيدها لإفشال مخططات الاحتلال في استهداف الوجود الفلسطيني، مؤكداً على أن القرصنة الإسرائيلية على أموالنا والعدوان على لقمة عيش أبناء شعبنا ما هي إلاّ محاولة بائسة للمس بقدرة شعبنا على الصمود والبقاء على أرضه والدفاع عنها، وقال: 'إذا كانت رؤيةُ السلطة الوطنية، وبرنامج عمل حكومتها خلال الأعوام الماضية، والتي فتحت الباب واسعاً أمام رفع مكانة فلسطين في الأمم المتحدة، قد تركزت أساساً على توفير مقومات تعزيز صمود المواطنين، فقد بات من المُلح اليوم، وأكثر من أي وقتٍ مضى، ورغم قلة الإمكانيات، العمل على مضاعفة الجهود لمواجهة تحديات المرحلة الراهنة ومخاطرها'.

وشدد رئيس الوزراء على أن مواجهة القرصنة الإسرائيلية على لقمة عيش المواطنين وعلى حقهم في الحياة، والتي تهدف إلى تقويض قدرة السلطة الوطنية على القيام بمسؤولياتها وإظهارها أمام شعبها وأمام العالم على أنها عاجزةٌ عن تلبية احتياجات مواطنيها، تتطلب منا جميعاً مواصلة العمل لاستنهاض طاقات شعبنا في معركة الصمود والبناء الديموقراطي والتحرر الوطني، والاستمرار في ترسيخ الحقائق الايجابية على الأرض.

وقال: 'رغم اتساع الفقر بفعل هذه القرصنة، ورغم الحصار وكل محاولات الاحتلال لمصادرة الحد الأدنى من مقومات الحياة الكريمة ، فإن شعبنا لن يرضخ أو يستسلم لمخططات الاحتلال الإسرائيلي، وسيدافع عن حقه في البقاء وفي الحرية والاستقلال والسيادة على أرض دولته المستقلة'.

واعتبر فياض أن هذه دعوة واضحة من أبناء شعبنا في القطاع كما في القدس والأغوار وجنوب الخليل وفي كل مدينة ومخيم وقرية وخربة ومضرب بدو لاشقائهم العرب مفادها أننا صامدون مهما كلف الأمر، وإن مساندتنا في مواجهة ما تتعرض له قضيتنا من خطر، إنما هي مسؤولية قومية لشعب مصمم على الحياة والكرامة الوطنية.

وشدد على إن هذه الدعوة تأتي في سياق إدراك شعبنا لأهمية البعد العربي لقضيتنا والذي كان دوماً البعد الأهم لها. وقال: 'كلي أمل وثقة في قدرة شعبنا على تجاوز هذه الأزمة والمضي قدماً بمشروعه الوطني إلى نهايته الحتمية المتمثلة في الخلاص التام من الاحتلال، وتجسيد سيادته الوطنية على أرض دولة فلسطين، وعاصمتها القدس على حدود عام 1967'.

ووجه رئيس الوزراء في ختام حديثه الإذاعي رسالةً إلى المجتمع الإسرائيلي، مُشدداً فيها على أن إطلاق الحكومة الإسرائيلية العنان للاستيطان، وسياستها في استرضاء المستوطنين، لا يأتيان فقط على حساب حقوق شعبنا وأرضه ومقومات حياته، بل أيضاً على حساب مستقبل السلام بين شعبينا، والذي لا يمكن أن يقوم على حساب شعبنا وأرضه وحقوقه. وقال: 'الاحتلال والاستيطان مدمران ليس فقط لشعبنا، بل لكم على حد سواء، فلا يمكن لشعب أن يكون حراً وديموقراطياً في الوقت الذي تستمر فيه سيطرة دولته على حرية شعب آخر، وعلى حقه الطبيعي في العيش حراً على أرضه وفي بناء مستقبله'.