اعداد: غادة اسعد
لم يكُن بمقدور القيادة السياسية في الداخل الفلسطيني، التخفيف من موجة الغضب التي اعتملت في صدور المواطنين العرب، الذين شاهدوا بأم أعينهم، وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، "الفيديو" الذي يُظهِر عملية إعدام الشاب خير الدين حمدان أمارة (22 عامًا)، من سكان بلدة كفر كنا المحاذية لمدينة الناصرة في الجليل، على يد الشرطة يوم السبت 8/11/2014.
هذا وانتشر الفيديو الذي يُظهر عملية الإعدام بسرعةٍ رهيبة، فحصَد انفعالات بين الكبار والصغار، وجاءت ردّات الفعلِ تلقائية وعفوية، بنزول المحتجين من أبناء كفر كنا وسائر البلدات العربية في الداخل، حيثُ سارت الجماهير في تظاهرات احتجاجية غاضبة، أثارت ضغينة وغضب المؤسسة الإسرائيلية، ودفعت برئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إلى مخاطبة الفلسطينيين في الداخل، ومطالبتهم بالانتقال للعيش تحت حكم السلطة الفلسطينية والتّخلي عن جنسيتهم "الإسرائيلية"، المفروضة عليهم قسرًا، علمًا أنّ ما يربط فلسطينيي الداخل بالمكان، هو أنّ الأرض أرضهم، والوطن هو وطنهم، قبل أن تتجمّع الغالبية اليهودية من مهاجري أوروبا، وقبل اغتصاب فلسطين.
وخشية اندلاع انتفاضة ثالثة، عادت المؤسسة الإسرائيلية، لتُراجِع مواقفها، فأرسلت بعثات مُنتقاة من مسؤولين في الحكومة لمطالبة مواطني البلدة بوقف الاحتجاجات.
فاجعة في بلدة كفر كنا!
زرتُ عائلة الشهيد خير حمدان، لتقديم واجِب العزاء، ورغمَ الألمِ الكبير إلاّ أنّ الزيارات التي لم تتوقّف على مدار الأسبوع، وهذا العددُ الهائِل مِن الـمُشاركين في واجِب العزاء، والوجعُ الـمُشترَك لأهالي كفر كنا خاصة، وللفلسطينيين عامةً يقول أكثر مِن حقيقة، أنّ الوجع الفلسطيني واحد، وأنّ كفر كنا مرّت على مدار سنوات بظروفٍ مأساوية وفاجعات، واستشهاد شُبان في أكثر مِن حادثة، هذا الوجع الذي لا يزال ينزِف دموعًا ودماءً لا يُنسى. في كفر كنا لا يزالون يبكون أبناءهم الذين قتلتهم المؤسسة الإسرائيلية أكثر مِن مرّة، ويبدو أنّ كفر كنا بأهلِها لا ينسون الجراح، ولن يغفروا، فعائلة الشهيد "خير حمدان"، وعلى لسان الوالد والوالدة توعدت القتَلَة بالعِقاب، وإن أنصفتهم الدولة بسياستها التمييزية والعُنصرية، فإنّ باب الشكوى "بعد الله"، سيكون للأمم المتحدة، علّها تُنصفهم في مصابهم الأليم.
هذا التضامُن الذي عبّر عنه الصغيرُ قبلَ الكبير، والطالِبُ قبلَ المُعَلِم، يؤكِّد أنّ الجُرح الفلسطيني واحد، فإن اشتكى أحدهم، فإنّ أشقاءه لن يعضوا على الجرح ويصمتوا، وهذا ما أكدته القوة والتحدي الّلتان بدتا في عيون والدة الشهيد، فاطمة أمارة، أم لطفي، وهي التي احتضنت سترة فقيدها الشتوية، وضمتها إلى صدرها، وكأنها تضمُ ابنها، وقالت: "نحنُ لسنا مُسيّسين، ولم نكُن نهتم بِما يجري، لكن المصاب الكبير الذي ألمّ بنا، فتح أعيننا على حجم السياسة الإسرائيلية، ومدى الكراهية الدولية لكل من هو عربي فلسطيني، أينما وُجِد، وأن يصل الأمرُ إلى بيتي وأبنائي فإنّه أمرٌ جلل لا يُمكن السكوت عنه، فكيف لدولةٍ تدّعي الديمقراطية تقتل أبناءنا بدمٍ بارد، وتستهدفنا أحياءً وأمواتًا، ويظل العالم صامتًا، ساكتًا على جرائم إسرائيل، وممارساتها الإرهابية، التي تنفّذها دون أي وازعٍ قانوني وأخلاقي".
عن ابنها الشهيد!
"كان حنونًا، ومُحبًا وصديقًا للجميع"، "كان مؤمنًا إلى درجةٍ كبيرة، لم يفوِّت الصلوات، وكان يقول لي هل صليتِ يا أمي؟! هل نسيتي الدعوات لي ولأشقائي؟! هكذا كان يُخاطبني، المرحوم. كان يُتابِع ما يجري حوله، ويتألّم، ويتوجَع على وجع غزّة، كان لا ينام، يقلب القنوات العربية وبالأخص الفلسطينية، ليُتابِع ما يجري. ليسَ وحيدي، لكنه أصغرهم، لذا كان متعلقًا بي وكنتُ متعلقة بِه.
كان يفرَح لفرح اشقائه، لكنه لم يُفكِر كالآخرين بالزواج، كان يقول لي: (هناك متسعٌ مِن الوقت، الآن لا أريد، أريد أن أبقى في البيت وحدي). بدأنا نجهِّز له بيته هو وشقيقه، وكان سيسقِف البيت، هذا الأسبوع، لكنّ القدر لم يشأ. خير كان ملتزمًا ومتعلّقًا بالعبادة، كان يُسافِر أسبوعيًا إلى الأقصى، لكنّه في الأشهر الأخيرة كان قلقًا ومنزعجًا مما يجري في الأقصى. كان يبدو حزينًا وغاضبًا مما يجري، ورغم عمله، إلا أنّ الهم الوطني والالتزام تجاه ما يجري، إلى جانب رؤيته لما يُرتَكَب من جرائم بحق الصغار والكبار والنساء والرجال في القدس، شحنه بشحنة الألم والغضب وأثر في مشاعره. لقد غابَ عني، لكنّه في القلب". قالت فاطمة أمارة، أم لطفي، التي بقيت تحتضن سترته وصورته، طوال فترة العزاء.
سألتُها كيفَ استقبلتِ نبأ وفاته، فسالَت دموعها على وجنتَيها: "كيف سأستقبِله؟! غِبتُ عن الدُنيا بروحي، كنتُ معه، وبقي جسدي ظلّ في المكان، "الله لا يذوِّقها للأمهات"، أتمنى لقاتِل إبني أن ينال عقابه، لتشعُر عائلته ما معنى اللوعة، ما معنى الفقدان".
تفاصيل ما جرى!
تقول الوالدة: "كان خيرالدين في البيت، حين وصلت الشرطة إلى ساحة العائلة، بعد إخبارية وصلت أنّ ابن خالته أطلقَ قنبلةً تجاه دورية الشرطة المارة مِن المكان، حاوَل خير التدخل ومنعهم، لكنهم أطلقوا الغاز المسيل للدموع في وجهه فانبطح أرضًا من حرارة الغاز التي آذت عينيه، فأخذه والده ليغسل وجهه، دخل الوالد ليبدِّل ملابسه، لكنّ خير اتجه بسرعة البرق، باتجاه المركبة التي وقفت في الشارع الرئيس، ثم همّت بالسير، حين استوقفها المرحوم خير، بقبضة يديه التي أثارت الشرطة وجعلتهم ينزلون مِن المركِبة، ويطلقون النار عليه، "مَن رآه وهو يجثو على الأرض، عدّ 6 رصاصات هي عدد الطلقات التي وُجّهَت صوبه"، ومسكوه كالذبيحة حين تُقاد، بلا مشاعِر أو أخلاق، وزجوا به في المركبة، أبناءُ الحي، أبلغوا العائلة، أنّ الشرطة أطلقت الرصاص عليه، وبعد ساعتين وصلَ الخبر اليقين".
والد الشهيد خير الدين: لن نصمت!
بعد استشهاد نجلهم خير الدين حمدان، عبّرت العائلة عن غضبها الشديد من الصمت العربي والدولي، وجاء على لسان الوالد رؤوف لطفي حمدان: "ابني خير قُتل بدمٍ بارد وبطريقة بربرية همجية من قِبِل عناصر الشرطة التي قامت بعمل غير إنساني، ووفاة ابني هي قضية فلسطين بأكملها، فهذا السيناريو الأليم، تمارسه الشرطة طوال الوقت بحق الفلسطينيين في الداخل والقدس والضفة والقطاع، دون وازع قانوني أو أخلاقي".
وأضاف الوالد الثاكل: "الشرطة قتلته بطريقة بشعة، علمًا أنه شخصٌ مسالم وليست لديه سوابق جنائية.. إبني لم يحمل سكينًا، الشرطة رشّت الغاز المسيّل للدموع في وجهه، وبدلاً مِن إطلاق الرصاص باتجاه رجله، صوّبت سلاحها باتجاه صدره، قاصدةً إعدامه".
وتابع: "لن نصمت بعد اليوم سنتوجه إلى المحافل القضائية والقانونية الدولية، للكشف عن زيف الرواية الإسرائيلية، ولن نرضى أن يكون العربي رخيصًا، كما يُعتَقد حتى ينال المجرمون العنصريون عقابهم"، لافتًا إلى أن الفيديو الذي نشرته اللجنة الشعبية وشباب كفر كنا، والذي يُظهِر جريمة قتل خير الدين على يد الشرطة، يكشف مدى عنصرية وكراهية الشرطة للمواطن العربي.
المؤسسة الإسرائيلية تطالِب القيادة العربية بالسعي للتهدئة
اجتماعان مُعلنان عُقدا بعد أيامٍ معدودة من استشهاد الشاب خير الدين. الاجتماع الأول جرى في الناصرة بحضور وزير العلوم الإسرائيلي يعقوب بيري، الذي رفض الاعتذار عن جريمة الإعدام، وتجاهلَ القيادات السياسية والنواب العرب، والحركات والأحزاب العربية، وممثلي لجنة المتابعة للجماهير العربية، يأتي ذلك للاستفراد برؤساء السلطات المحلية، وللضغط عليهم طالبًا منهم "إعادة الهدوء والحياة إلى مجراها الطبيعي".
أمّا الاجتماع الثاني فجاء بمبادرة وزيرة القضاء الإسرائيلي تسيبي ليفني، التي أرادت بدورها الاستفراد برؤساء السلطات المحلية، والضغط عليهم من خلال عرض خدماتها ورفع نسبة الميزانيات المعطاة للمجالس العربية، علمًا أنّ الميزانيات المعطاة للمجالس المحلية، لا تسدّ ولا تُغني ولا تُلبي الخدمات التي يجب إعطاؤها، في ظلّ دولةٍ تميِّز بين المجالس العربية واليهودية، وتقدّم خدماتها الهائلة للمجالس اليهودية، وتستغل المناسبات السياسية لابتزاز رؤساء السلطات المحلية العربية، كما حدث، الأسبوع المنصِرم، فقد وعد المسؤولون الحكوميون ومن بينهم ليفني بحضور المدعي العام شاي نيتسان والمديرة العامة لوزارة القضاء غيمي بلمور ورئيس حزب العمل والمعارَضة يتسحاق هرتسوغ، وعدوا بمساعدة المجالس المحلية، بتوسيع ودعم السلطات المحلية، مقابل فرض تهدئة والسيطرة على الشارع الفلسطيني في الداخل، بينما لم يقُم أيٌّ مِن هؤلاء الزائرين بالاعتراف بجريمة الشرطة وتقديم اعتذار أو التصريح بإدانة.
رئيس مجلس كفر كنا مجاهِد عواودة: دولة عنصرية!
في حديثٍ خاص قال رئيس مجلس كفر كنا المحلي مجاهِد عواودة قال لـ"القدس": "إنّ ما جرى، جريمة بكل ما في الكلمة من معنى، ومن الـمُفترض أن يكون الشرطي مدرّبًا على وسائل الدفاع عن النفس، بعيدًا عن القتل، وكان بإمكانه تفادي الجريمة التي ارتُكبت، لكن يبدو أنّ الشُرطي متشبعٌ بالعنصرية، شأنه شأن هذه الدولة، فهو يستمد ويتغذى من خلال قائده، ومن الواضح أن القائد سواء أكان نتنياهو أم قائد الشرطة، يبدو ضعفهم في وجوههم وفي تصرفاتهم وتنفيذهم للجريمة دون أن ترِف لهم عينٌ، وإلا كيف يمكنه أن يصف الشهيد بالمخرِّب؟! هذه القيادة تعدُّ المواطنين العرب دخلاء على البلاد، رغم أنّ جذورهم تمتد لآلاف السنين".
خطواتٍ لمواجهة الجريمة!
حول الخطوات الـمُتَّبعة لمواجهة الجريمة أوضح عواودة: "شكّلنا لجنة شعبية في كفر كنا، مهمّتها متابعة كافة التفاصيل التي يمكنها أن تُدين القتلة، كما أنّ التحقيقات تجري في ملف الشرطيين اللذين شاركوا في ارتكاب الجريمة، ونحنُ ننتظر النتائج، ولو أنّ هذه الجريمة جرت في بلدةٍ يهودية، لتمّ في الحال إقالة وزير الأمن الداخلي، لكن لكون الشهيد عربيًّا فإنه من الطبيعي أن يتهرّب المسؤولون من معاقبة أبنائهم الذين تربوا على العنصرية والكراهية، وسنتابع التحقيق الذي تجريه وزارة القضاء، كما نتابع المسار القضائي من خلال طاقم المحامين".
وعن الغضب الفلسطيني قال عواودة: "نحنُ نتفهّم موقف المواطنين الإنساني تجاه ابنهم الشهيد، وأنا أتفهّم الشباب الذين عبّروا عن سخطهم وغضبهم وهو رد فعلٍ طبيعي، وكنتُ بين المشاركين في التظاهرات، لكن في مرحلةٍ معيّنة كان لا بُدّ مِن التخفيف من حِدة رد الفعل، حتى لا نشكِّل خطرًا على أبنائنا، لذا كانت التظاهرات داخل القرية، حتى لا ترُد الشُرطة بطريقة تؤذي أبناءنا".
النائب في الكنيست محمد بركة: الشهيد حمدان قُتل بدمٍ بارد!
وفي تصريحٍ لرئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، النائب محمد بركة، خصّ "القدس" به، قال: "إنّنا ننتظر التحقيق بالجريمة، ونطالب بإقالة أهرونوفيتش، ومحاسبة بنيامين نتنياهو على سياسته التي أدت إلى مقتل أبنائنا".
وطالب بركة، بحجب الثقة عن الحكومة، بإسم كتل الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، و"القائمة الموحدة- العربية للتغيير"، و"التجمع الوطني الديمقراطي".
وأضاف: "وقعت جريمة القتل بعد يومين من تصريحات وزير الأمن الداخلي يتسحاق أهرنوفيتش، التي دعا خلالها إلى قتل كل من أسماهم "مخربين"، وتلك تصريحات خطيرة جدًا، وهي الأخطر"، وتابع "خير لم يكن مخرّبًا، بل هو ضحية قتل بدم بارد، وعمليًا فإن تصريحات أهرنوفيتش، هي خرق فظ للقانون، وهي رخصة للقتل، ورخصة للإعدام ميدانيًا".
النائب غطاس: اللقاءات مع رؤساء المجالس سياسية وليست مهنية!
من جهته عقّب النائب في البرلمان الإسرائيلي د. باسل غطاس حول الموضوع بالقول: "الاجتماع الذي عقدته الوزيرة تسيبي ليفني يوحي بأهدافٍ سياسية لا مهنية، خاصةً أنّ الجلسة استثنَت القيادة العربية والأحزاب واستفردت برؤساء السلطات المحلية العربية، وبالتالي فما جرى ينسِف مصداقية الاجتماع، ويؤكّد أن عقلية القيادة السياسية الإسرائيلية في السيطرة والتعامل مع الأقلية الفلسطينية بنفسية الحُكم العسكري لم تتغير علمًا أنّ لجنة المتابعة بالإجماع طالبت بإقالة وزير الأمن الداخلي وتشكيل لجنة تحقيق مُحايدة، وتقديم أفراد الشرطة للمُحاكَمة، وبإمكان الوزيرة ليفني التعامل مع المطالب بإيجابية أو أن تعلن موقفها بخصوص تشكيل لجنة تحقيق محايدة في إعدام خير الدين حمدان".
لن نسمح بالالتفاف على لجنة المتابعة
وفي حديثٍ مع القائم بأعمال رئيس لجنة المتابعة ورئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية مازن غنايم لمجلة "القدس" قال: "أي اجتماع يصُبُّ في صالح الجماهير العربية مُرحَبٌ به، علمًا أن وزيرة القضاء والمدّعي العام وعدا بتشكيل لجنة تحقيق محايدة لبحث قضية إعدام خير الدين حمدان، كما سيجري قريبًا اجتماع مع رئيس الدولة، لمواجهة هذه السياسة والتعبير عن الموقف الرافِض لقتل الفلسطيني في الداخل، كما جرى مع الشهيد الذي قُتل بدمٍ بارد على يد الشرطة الإسرائيلية".
غنايم أوضح أنّ "على الحكومة الاسرائيلية ووزرائها الاعتراف بالتمييز والعنصرية التي يتم ممارستها تجاه المجتمع العربي، الذي باتَ يعيش تحت تهديدٍ يوميٍّ بالقتل والـمسّ دون أن يجد المواطِن مَن يشفع له، بل إنّ الشرطة التي تعمل في دولٍ أخرى على حماية المواطِن، تتعامل مع الفلسطيني على أنه عدو، يجب قتله".
وتابع غنايم "الهدف من الاجتماع بالأساس هو سماع مشاكل البلدات العربية وأسباب الاحتجاج، كما عرضنا المشاكل الموجودة في المجتمع العربي، من سلاح غير مرخّص وتمييز وتحريض واضح ضد المواطنين العرب". وشدّد غنايم على أنه لن يُسمَح بالالتفاف على لجنة المتابعة وسيتم الانسحاب من أي اجتماع يتم خلاله تحييد القيادة العربية ولجنة المتابعة التي ينشطون جميعًا تحت سقفها.
النواب الفلسطينيون في البرلمان يطالبون بإقالة وزير الأمن الداخلي
إلى ذلك طالب النواب العرب بإقالة يتسحاق أهرونوفيتش من منصبه كوزير الأمن الداخلي، وجاءَ ذلك في رسالة عاجلة أُبرِقت لرئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ولوزيرة القضاء تسيبي ليفي ولمنظمات حقوقية. وأشار النواب في الرسالة أنّ "الشرطة لم تستخلص العِبر من قتل 13 شهيدًا في هبة القدس والأقصى عام 2000 ولم تقم بتطبيق توصيات لجنة أور الإسرائيلية، بحيث ان الشهيد حمدان يُعدّ الضحية رقم 48 من فلسطينيي الداخل التي قُتِلت على أيدي رجال الشرطة الإسرائيلية منذ تشرين الأول 2000، بل ان عداء وعنف الشرطة تجاه المواطنين العرب في اسرائيل آخذ بالازدياد على ضوء دعم واضح من الحكومة الإسرائيلية".
وأكد النواب ان أجهزة التحقيق التي يُفترض أن تشكّل ردعًا أمام سهولة ضغط أفراد الشرطة على الزناد، تشكّل عاملاً مشجّعًا ومطمئنًا للشرطة لاستعمال العنف ضد العرب، وهو ما بدا جليًا في قرار وحدة التحقيق مع أفراد الشرطة "ماحش"، حيثُ تمّ إغلاق ملفات شهداء هبة اكتوبر 2000 وإقراره على يد المستشار القضائي للحكومة، في حينه ميني مزوز، كذلك تدل المعطيات ان "ماحش" قامت بإغلاق أكثر من 93% من ملفات شكاوى المواطنين ضد أفراد الشرطة.
وأشار النواب أنّ تعامل الشرطة العنصري المستهتر والـمُستفِز تجاه العرب تفاقَم في السنوات الأخيرة، ووصل أوجه في حادثة إعدام الشهيد خير الدين حمدان، حيث تم إطلاق النار عليه، بما يتنافى مع أي قانون إنساني ودولي، حتى القانون الإسرائيلي عندما يتعلق الأمر في التعامل مع يهودي، هذا يضاف إلى إهمال "ماحاش" في التحقيق في الحادث وبيان الشرطة السخيف الذي نُشِر في أعقاب الحادثة، والذي تم سحبه من الإعلام وإصدار بيان آخر في أعقاب نشر فيديو القتل في الإعلام.
وأدان النواب تصريحات أهرونوفيتش التي أشار فيها إلى أنه يريد أن تنتهي كل "عملية" بمقتل المنفّذ، واعتبرها أمرًا بالقتل، وأكدّ البيان أنّ وزير الأمن الداخلي يُعدُّ شريكًا وأنّ اقواله ليست مجرّد تحريض كما يفعل زملاؤه في الحكومة، بصفته المسؤول الأول عن جهاز الشرطة وأجهزة الأمن، والمسؤول الأول عن القتل، كما طالبوا بتشكيل لجنة تحقيق مُستقلة للتحقيق بالحادثة، تشمل ممثلين عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ولجنة تحقيق أخرى لبحث عمل وحدة التحقيق مع الشرطة "ماحش". هذه المطالِب قُوبِلت بالتجاهُل التام، بل جاءت بردٍ عكسي، حيثُ تمادى وزير الأمن الداخلي هذا بتصريحاته التحريضية، ووصلت وقاحته إلى حد زيارة المجلس المحلي في كفر كنا، وتهديده بضرورة وقف الاحتجاجات على الفور، إضافة إلى تصريحاته التي تنادي بالإجهاز على منفذي العمليات الانتحارية التي تجري في القدس بالأساس.
45 معتقلاً و25 لائحة اتهام بحق المحتجين على جريمة إعدام حمدان!
رغم الهدوء الحذر الذي يسود المناطق الفلسطينية في الداخل، إلا أنّ حذرًا شديدًا يأتي بالأساس من الحكومة الإسرائيلية التي بدأت تُغير لهجتها، وتصف أفرادًا بالمخربين، بينما تصرِّح "أنّ غالبية المواطنين العرب فهم مسالمون ويريدون الهدوء"، علمًا أنّ الموقف كان مغايرًا عشية إعلان الجماهير العربية في الداخل بعد استشهاد خير الدين حمدان، وإعلان الإضراب العام الذي شمل كافة البلدات العربية، وتضمّن الإضراب تظاهرات ومسيرات غاضبة جابت شوارع الجليل والمثلث والنقب، وشارك فيها طلاب المدارس العربية وطلاب الجامعات أيضًا. وتخلّلها اعتقال العشرات من العرب بينهم أطفالٌ وشباب، وقدمت النيابة 25 لائحة اتهام ضد شبان من كفر كنا بالأساس، تمّ تحويلهم الى المحكمة في الناصرة على خلفية المواجهات بين الشرطة والمتظاهرين.
نصف المعتقلين من الأطفال
ويُظهر عدد المعتقلين الذين زُجوا في السجون، وهم 45 شخصًا، أنّ الشرطة تقوم بالانتقام من المتظاهرين المحتجين، باعتقالهم دون الأخذ بعين الاعتبار صغر أعمارهم، علمًا أنّ نصفهم من القاصرين (دون الـ 18 عامًا)، ويُعدُّ اعتقال الأطفال انتهاكًا لحقوقهم لحقوق الطفل الأساسية.
وفي هذا الصدد قال محامي مركز عدالة القانوني، ومقره في مدينة حيفا، آرام محاميد، "تمّ اعتقال الأبناء دون إبلاغ ذويهم، علمًا أنّ القانون ينص على ضرورة حضور أحد الوالدين على الأقل، كما منع الأهالي من لقاء أطفالهم في مراكز الاعتقال، وتأتي هذه الممارسات الشرطوية بصورة مخالفة للبنود الواردة في قانون الاعتقال".
48 شهيدًا مقابل 48 مركزًا للشرطة
تحاول إسرائيل من خلال جرائمها أن تُسيطر على فلسطينيي الداخل، وأن تبقيهم أجسادًا دون مشاعِر ودون تعبيرٍ عن الغضب من ممارساتها الوحشية تجاه كل من هو فلسطيني، كما يجري الآن في القدس المحتلة، وكما يجري في الضفة والقطاع، خاصةً أنّ الحكومة الإسرائيلية مهزومة بعد حربها الفاشلة على غزة، خشية اندفاع انتفاضة ثالثة، يتأثَر بها فلسطينيو الداخل، كونهم أشقاء لإخوانهم في القدس وفي مناطق الـ67، لكنّ الوحشية التي تمارسها إسرائيل، تؤكِد أن القتل هو سلاحها الضعيف، الذي لا تقوى بدونه على السيطرة على المواطنين داخل إسرائيل، وما يدلُ على ذلك عدد الشهداء الذين سقطوا على يد إسرائيل منذ العام 2000، فقد قتلت إسرائيل 48 فلسطينيًا في الداخل، كما أكدّ مركز مساواة لرصد الممارسات الإسرائيلية العنصرية، ومقره في حيفا، وجاءَ في بيان مساواة أنّ الشرطة الإسرائيلية قتلت منذ العام 2000 /48 مواطنًا عربيًا، وأفلت غالبية مطلقي النار من العقاب، في حين أدين رجل شرطة فقط هو شاحر مزراحي، قاتل الشاب محمود غنايم أبو سني، الذي حُكم عليه بالسجن لمدة 30 شهرًا، ثم أُطلِق سراحه مِن قِبل سلطة السجون بعد أقل من 15 شهرًا.
ورغم عدم استخدام شرطة إسرائيل الرصاص الحي في قمع مظاهرات صيف 2014، إلا أنّ أجهزة القانون استخدمت وسائل قمعية لا تُستخدم في نظام ديمقراطي وبينها اعتقالات عشوائية ومحاكمات جماعية. كما مارست مؤسسات الدولة والقطاع الخاص وسائل انتقام ممن عبّر عن احتجاجه الشرعي ضد الحرب على غزة، إضافةً إلى سماح أجهزة الأمن بتفشي ظاهرة العنصرية والاعتداءات على متظاهرين عرب.
جريمة إعدام خير الدين حمدان ليست الأولى!
وتُعدُّ بلدة كفر كنا من البلدات العربية التي شهد لها التاريخ بالعطاء والمواجهات النضالية منذ النكبة، فقد سقط فيها في عام النكبة 12 شهيدًا وهم: جمال يوسف سمارة، قاسم عبد الكريم عواودة، عرسان لافي منصور، أحمد اسماعيل حكروش، جمال موسى المنزل، محمد حسين طه، الشهيد محمد حسين عواودة، كريم عيسى هيجاوي، الشهيد محمود محمد عودة الله، محي الدين يوسف سمارة، الشهيد جريس جبرائيل مطر.
أما شهداء ما بعد النكبة فوصل عددهم إلى سبعة شهداء وهم: سليمان حنا مطر، محسن حسن طه، كامل ابراهيم زيتون، أنس مطر خشان، الشهيد محمد غالب خمايسي، محمد محمود خطيب، وآخرهم الشهيد خير الله حمدان أمارة.
خاص مجلة "القدس"/ العدد السنوي
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها