يُبتلى الإنسان بالخير مثلما يبتلى بالشر. وفي القرآن الكريم، يقول سبحانه ما معناه: إن ابتلاء الإنسان بهذين النقيضين، يقع عليه بهدف اختبار معدنه وكشفه على حقيقته "ونبلوكم بالخير والشر فتنةً، وإلينا ترجعون". ولما كان الله سبحانه وتعالى لا يدبر الفتن للناس أو بين الناس بالمعنى الدارج؛ فإن معنى الفتنة، في الآية، هو الاختبار الدقيق لجوهر الناس. ففي اللغة يقال: إن النار تفتن الذهب، أي إنها تميز الرديء والزائف منه، عن النفيس والأصيل!
في اختبارات الشر، يصمد الشجعان والصابرون والزاهدون، وربما يكون هذا أسهل عليهم من الاختبار بالخير واجتياز فتنته. فليس أصعب على النفوس المريضة، من أن تصمد وأن تجتاز اختبار الأصالة والجودة!
قليلون هم القادرون على الصبر والفهم وأخذ ناصية اليقين، حين يكون الله ابتلاهم بالحب والصحة والخل الوفي والقدرة أو التمكين. فهؤلاء يصدق فيهم قوله تعالى "كَلاْ إن الإنسان ليطغى ان رآه استغنى". وللاستغناء أعراض ذميمة من بينها الشحناء والضغينة والبغضاء. والراسبون في اختبارات الخير، أنانيون بطبعهم، ينقادون وراء دوافعهم المباشرة. وتفيد تجارب علماء النفس أن هؤلاء مأزومون، مضطربو العواطف والأعصاب. يتخبطون بفكرهم ويَشْقَون ولا تقر لهم عين!
في معتاد الأيام، لا موجب لمنح المغرور، أية أهمية، بل إن تجاهله صدقة، وقد يُعينه التجاهل على الاستفاقة، وهو ممن قال فيه رب العزة ".. وكان أمره فُرطاً"!
في الساعات الأولى من العام الجديد، انتعشت آمال واضيئت قناديل، مثلما أضيئت شجرة الميلاد. لكن واقع الحال، وتداعيات السياسة والإحساس بالانسداد، كان كله أسرع في إطفاء الأنوار وتفكيك الشجرة. 
الرحلة لا تزال طويلة للوصول الى مرفأ الخلاص الجماعي. فقبل معاودة المسير، لا بد من اجتماع سياسي جديد، يُهيئ الناس للأصعب. لا بد من التأهل لاجتياز اختبارات البلاء بالشر وبالخير. أكثرنا يُبتلى بما هو مؤلم، وأقلنا يُبتلى بما هو مُتخِم. ويقول البصير جل وعلا في سورة غافر إنه "يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور"!
لكل منا معاناة أو ابتلاء خاص، يفترض انه يمحصه وينقيه ويفيده. لكننا جميعاً، ما زلنا في مواجهة ابتلاء عام يتفاقم يوماً بعد يوم. لذا ليس أدعى من تنقية نفوسنا ومن لومها على شططها وتقصيرها وفتورها وتوانيها عن أداء واجبات أساسية. نحن أحوج ما نكون الى صحوة ضمير، تعادلها النفس اللّوامة, التي توقظ في أغوار النفوس، الإحساس بالخطأ والاهتداء الى الصواب. ولعل أجمل ما في معاني الصبر، أنه يحبس القلب عن الجَزَع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن التنهد!
كل عام ونحن أقل ابتلاءً بالشر وبالخير. كل عام ونحن على اجتماع سياسي رصين. كل عام ونحن راسخون في الوطن، لا نرحل عنه ولا نُرّحل. كل عام وأسرانا في الضياء!