وهكذا, فقد صعدنا فلسطينيا الى ذروة الاشتباك السياسي مع دولة الاحتلال اسرائيل, ومع حلفائها الذين يساندونها بلا هوادة على الباطل, وقد ذهلت من درجة الترابط بين الموقفين الاسرائيلي والاميركي لدرجة ان نتنياهو ونظراءه الاميركيين في الرئاسة ووزارة الخارجية وفي الكونجرس يستخدمون ليس فقط نفس المصطلحات, بل نفس الكلمات والحروف نفسها, سواء في مواجهة المشروع الفلسطيني العربي لانهاء الاحتلال, او في مواجهة الصعود الفلسطيني الى عضوية المنظمات الدولية وخاصة محكمة الجنايات, فماذا اكثر من هذا سيكون الافتضاح؟ وماذا اكثر من هذا سيكون العدوان على الحق الفلسطيني؟
ولكن ما هو صادم أكثر من ذلك هو مواقف الابتزاز الرخيصة الصادرة عن بعض مفردات الساحة الفلسطينية سواء انقلابيي حماس والمنشقين الصغار او ما احب ان اسميهم بتجار اللحظة الرخيصة في بعض الفصائل, الذين يهبطون بالقضية من سقفها العالي المتوهج بدماء الاشتباك الى رخص الابتزاز, وبيع النفس إلى هذا وذاك, ولعب دور "الجناكي "اللواتي يستأجرن للرقص في أعراس الاخرين, المرحلة العليا التي وصل اليها المشروع السياسي الذي ينذر بكل علامات الاشتباك الميداني أكثر الف مرة من محاولات الابتزاز الرخيص، خذوا مثلا على ذلك من خلال سلوك حماس مع وفد الحكومة والتضييق عليه الى حد الاختناق, وأجواء الارهاب السائدة في قطاع غزة, والخلط الفاضح في المصطلحات, حيث يوصف موظفو السلطة الشرعيون بالمستنكفين, هؤلاء ليسوا مستنكفين, بل هؤلاء هم مفردات الشرعية الوطنية لم يعترفوا بالانقلاب المسلح ولم يعملوا معه, ونفذوا تعليمات قيادتهم الشرعية برغم الارهاب الذي تعرضوا له, ورغم الاتهامات القاسية لبعضهم, ورغم سيقانهم التي اطلق عليها الرصاص, والتهديدات التي ابلغت لهم, ووضعهم في السجون أو في حالات الاقامة الجبرية. ..الخ للمسلسل المعروف، فكيف يقال عنهم انهم مستنكفون؟ فهل كان للانقلاب المسلح شرعية حتى يستنكفوا عنها؟ ثم يأتيك من يريد أن يصغر القضية على حجم موقفه الصغير, مثل أحمد بحر الذي يطالب بإطلاع المجلس التشريعي على الاتفاقيات قبل التوقيع عليها يا سلام, وهل أعضاء المجلس التشريعي الذين أيدوا الانقلاب وصفقوا له, هل هؤلاء بقي لهم اي نوع من الحق أو الشرعية؟ ثم يأتيك بعد ذلك من يتفلسفون حول برنامج المقاومة وبرنامج المفاوضات, مع انهم يعلمون أن للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات له برنامج واحد, برنامج إنهاء الاحتلال, برنامج الاستقلال الوطني, برنامج الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، هذا هو برنامج الشعب الفلسطيني, وماعدا ذلك من مصطلحات منفوخة لا قيمة لها وليس لها أي وجود سوى عند المنسلخين عن هذا الشعب إرضاء لسادتهم الذين يرفعون صورهم ثم ينزلونها عندما يجيء سيد آخر, وهكذا دواليك, وكأن خيانة الوطن هي التجارة الرابحة التي لا يجيدون غيرها, وبيع الولاءات في الأسواق هي الشطارة, أبدا لن تربح تجارتهم, فقد صعد مشروعنا الوطني الى قمة الاشتباك السياسي, وحين تكون الأمور على هذا النحو فإنها تصبح واضحة لا لبس فيها ولا غموض, فإما انك صديق أو عدو, وليس خيارا اخر, وليس هناك منزلة بين المنزلتين.