يخطئ من يعتقد أن ما يحدث في القدس المحتلة لا يحمل ملامح الانتفاضة المتكاملة، ويخطئ ايضاً من يعتقد أن كرة الثلج التي بدأت بالتدحرج، منذ الجريمة البشعة التي ارتكبها المستوطنون بحق الفتى محمد ابو خضير، يمكن لها أن تتوقف دون أن تتوقف المسببات الحقيقية لتدحرجها، ويخطئ ايضاً من يعتقد بأن رقعتها الجغرافية ستبقى محصورة في القدس، ولم يقرأ التاريخ جيداً من يعتقد أن الانتفاضة تنطلق بقرار وبالتالي يمكن محاصرتها بقرار آخر.
لا شك أن ما يحدث في القدس المحتلة ومحيطها يحمل ملامح مغايرة لتلك التي رافقت الانتفاضة الأولى وانتفاضة الأقصى في أيامهما الأولى، حيث انسداد الأفق السياسي بفعل تنكر حكومة الاحتلال للحقوق الفلسطينية وتنصلها من الاتفاقات الموقعة وضربها بعرض الحائط لكل المبادرات التي تدعوها لوقف الاستيطان من جهة، وعربدة المستوطنين التي باتت تحمل سمة الجريمة المنظمة لعصابة تعمل بإمرة الحاخامات وتكبر في كنف حالة التحريض على القتل التي تتشبع بها فتاواهم، وما يوفره لهم جيش الاحتلال من حماية من جهة ثانية، دفع الموطن الفلسطيني لموقع رد الفعل، وما حدث في القدس ومحيطها خلال الأسابيع الأخيرة بأدوات أخذت طابع الدهس والطعن تشير إلى أن طاقة تحمل المواطن الفلسطيني لعربدة المستوطنين نفذت، وأن النية المبيتة لدى حكومة الاحتلال في التقسيم الزماني والمكاني للأقصى فيه تجاوز لكل الخطوط الحمراء، وبالتالي فإن الفعل الفلسطيني لا مفر منه.
ما يجب أن يتوقف الجميع حياله بالتدقيق هو أن المجتمع الفلسطيني بأطيافه السياسية المختلفة يبارك تلك الأعمال، بل ويرى فيها بداية مرحلة جديدة فرضتها عليه سياسة حكومة الاحتلال الحمقاء، والمجتمع الفلسطيني ليس بحاجة لأن يتبنى أحد التنظيمات الفلسطينية تلك الأعمال كي يعبر عن تأييده لها، بل ان التطرف الذي يقوده الحاخامات الذين يدعون ليلاً ونهاراً لقتل العرب وتدنيس المسجد الأقصى تحت مظلة جيش الاحتلال، فيه ما يكفي لأن يبارك الكل الفلسطيني هذه الانتفاضة ويتطلع لتوسيع رقعتها وأدواتها.
إن حكومة الاحتلال بسياستها الحمقاء تتحمل دون سواها المسؤولية الكاملة عما آلت وستؤول إليه الأمور، وإن شاركها أحد في تحمل قسط من ذلك فلا بد وأن تكون الإدارة الأميركية التي وقفت عاجزة على مدار السنوات السابقة في لجم الغطرسة الإسرائيلية وعربدة قطعان المستوطنين، وتصب حكومة الاحتلال الزيت على نار الانتفاضة إن هي ذهبت لردات فعل عدوانية على الشعب الفلسطيني سواء كان ذلك عبر أعمال عدائية مسلحة أو بناء المزيد من المستوطنات وتوسيع القائم منها، فليس هنالك الكثير الذي يمكن للشعب الفلسطيني أن يخسره ويندم لاحقاً عليه، سواء كان ذلك في القدس المحتلة التي تتعرض لعملية تهويد ممنهجة لا محددات لها، أو في الضفة الغربية التي قطعت أوصالها والتهمت المستوطنات الكثير منها، أو في قطاع غزة الذي ما زال يعاني الحصار بأوجهه المختلفة